عن لحية الباطن!.. يكتب محمد الشيباني

زاوية الكتاب

كتب 819 مشاهدات 0


القبس

لحية الباطن..!

د. محمد بن إبراهيم الشيباني

 

اللحى لحيتان، لحية ظاهر باطن من العفة والطهارة والصدق والأمانة والديانة والخلق، وهي قدوة لمن أراد كل تلك الأخلاق والمثل، صاحبها لا يخاف في الله لومة لائم ولا يتعصب لرأيه إن كان خطأ ولا ينشر النميمة بين الناس، ويسعى لها حتى لو كانت في الشخص المخالف له، ديدنه نشر الخير بين الناس وجمعهم على كلمة سواء، لا ينشر الفتنة، بل لا يستغل الفتنة إن وقعت لأغراضه الطائفية البغيضة الحاقدة لغير مذهبه، ظاهره باطنه، وباطنه ظاهره، لا يغش ولا يخدع.
ومن اللحية الباطنية من هو في الظاهر غير ملتحٍ، ولكنه متعصّ.ب أشد التعصُّب في الباطن، أي سريرته خبيثة أشد من الملتحي المتعصب قلباً وقالباً.
إذاً، ليس كل غير ملتح سليماً من العنصرية والكراهة للغير من غير مذهبه وطائفته، بل قد يكون أشد تعصباً وبغضاً وحقداً للمخالف، يستخدم كل ألوان وفنون العداوة له بحجة الإصلاح والنصح والسعي والتجرد للحق والخير للآخرين، بل هذا وأمثاله هم السم الزعاف في تخريب المجتمعات ونشر العصبيات والطائفيات والبغض والكره للآخر عن طريق غش الجماهير، لأنه من غير لحية. وفي الواقع، إن لحية هؤلاء، أي عنصريتهم وطائفيتهم، باطنية حاقدة وقد يكونون في مناصب في الدولة.
هؤلاء يستثمرون، وبشكل لا نهاية له، كل نازلة يقع فيها المخالف لهم من غير طائفتهم أو مذهبهم أو دينهم بالحق أو الباطل، دواخلهم خراب وظلمة قد طفحت على ظواهرهم.
طب هؤلاء صعب جداً، فقد تشرب المرض أجسادهم، وعلاجه أصبح من أصعب العلاجات، لأن انتشاره صار في كل جارحة من جوارحهم، السمع والبصر والفؤاد وفي كل عروقهم.
أصحاب اللحى الباطنية المحترقة غيظاً وحقداً على مخالفيهم هؤلاء انتشارهم أكثر من انتشار اللحى الظاهرة، أي هم غالباً ما ينثر بيننا الأحقاد والبغضاء والعصبيات والطائفيات، ومنها يتغذون بكرة وأصيلاً، ولا يستطيع هؤلاء العيش من دون التحرش بين العباد، لأنها أصبحت من حياتهم ومن سماتهم، يقلقون إن سمعوا من خصمهم أو المخالف كلمة طيبة أو عمل خير، حيث يركضون في تأويله أو تحويله إلى غير مراده، وسعيهم في هذا حثيث ودؤوب.
هم يرون في قرارة أنفسهم أنهم متسترون عن الناس بحقدهم المتأصل، لأنهم بغير لحية، وفي الواقع إن الحذاق بل العامة كاشفتهم ومتابعة لهم منذ أزمان وما زالت في كشفهم ومعرفة خبايا زواياهم الموحشة الخراب اليباب.
عصم الله البشرية والإنسانية والآدامية من شرور هؤلاء وسيئات أعمالهم. والله المستعان.

المقراض.
«يا قارض الأعراض، عرضك بالمقراض».

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك