السياسة الخارجية للدولة يجب أن تحركها المصلحة وليس العاطفة.. كما يرى ناصر المطيري

زاوية الكتاب

كتب 784 مشاهدات 0


النهار

خارج التغطية  -  حسابات الموقف الكويتي بين السعودية وإيران

ناصر المطيري

 

أمام أي حدث سياسي في المنطقة العربية في ظل هكذا ظروف مشحونة بمشاعر شعبية من التخاصم الطائفي أو العرقي نجد أن العاطفة هي التي تحرك سلوك الجماهير وتسعى للضغط على القرار السياسي للدولة، في حين أن السياسة الخارجية بالذات يجب أن تحركها المصلحة واعتبارات قد تكون بعيدة عن معرفة أو وعي الشعوب.
فالعقلية العامة للشعوب العربية والاسلامية لا تزال مرتبطة نفسيا وتاريخيا «بنخوة المعتصم «على أنها اجراء عاطفي هزّ هذا الخليفة عندما سمع بما حدث للمرأة العمورية»، لكن هذا التفسير ربما يجانبه الصواب، فالتحليل المنطقي يقول ان المعتصم انما نصر هذه المرأة لأنه كان يدرك مكامن قوته وكان يعرف أن لديه من القوة ما يستطيع أن ينفذ به مقولته الثانية: «لأرسلن لك جيشا أوله عندك وأخره عندي»، والمعتصم كان يعرف أن في نصرة المرأة المسلمة التي ضربها الرومي مصلحة لدولته وليس مجرد تعبير انفعالي.
من هنا نقول ان الانفعالات الشعبية العاطفية التي تملأ الاعلام والتواصل الاجتماعي وتطالب الكويت باتخاذ إجراء سياسي ضد ايران وتطالب بالتصعيد الدبلوماسي،هذه المشاعر والانفعالات يدركها مهندسو السياسة الخارجية في الكويت ويقدرونها، وبذات الوقت يدركون ويعون تماما مصالح البلاد الاستراتيجية والأمنية وحساسية علاقاتها مع محيطها الاقليمي.
موقف الكويت لا يحتمل التشكيك في مساندته لمواقف الأشقاء في المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون في كل المجالات والأحداث، وأكثرها دلالة المشاركة العسكرية الكويتية مع تحالف «عاصفة الحزم» من منطلق الواجب والأخوة وبلا منّة.
وكذلك بالمقابل فإننا واثقون بأن الشقيقة المملكة العربية السعودية تتفهم ضمناً - بروح أخوية - أبعاد و«حدود» الموقف الكويتي في التعامل مع ايران حيث تقدر قيادة المملكة الاعتبارات السياسية والأمنية التي تحكم السياسة الخارجية للكويت وذلك بالنظر الى موقعها الجغرافي الحساس الذي يحتم عليها الحفاظ على علاقات سياسية «متوازنة» تحقق الأمن والاستقرار مع دول محيطها الاقليمي المضطرب.
ونعتقد أن الكويت تدرك في وعيها السياسي «غير المعلن» ما تشكله ايران من تحدي وربما خطر وما يعتبر تدخلا في دول المنطقة، ولكن تقتضي حكمة وحنكة صاحب القرار السياسي أن تحافظ الكويت على علاقات متوازنة بعيدة التصادم مع دول كبيرة مثل ايران.
ولو تجرد كل مواطن كويتي من مشاعر الشحن الطائفي، وفكر بموضوعية بلا مبالغة أو انفعال وبما يناسب حجم الكويت وظروفها الاقليمية، فانه سيكتشف حكمة القيادة الكويتية في ادارة سياستها وعلاقاتها الخارجية ضمن الحدود التي توفر لها الأمن ومصلحة الاستقرار السياسي للدولة.
فالمعادلة السياسية الصعبة للكويت أنها لن تتخلى عن المملكة العربية السعودية باتخاذ مواقف مساندة مستحقة و«مناسبة»، وبنفس الوقت لن تتخذ موقفا عدائيا متطرفا من ايران، وهذا هو مقتضى التوازن السياسي لدولة في مثل وضع وظروف الكويت.
وعودا على بدء نقول ان العاطفة الجماهيرية في عالم السياسة تتعارض وتتناقض مع قواعد وقوانين السياسة، وان مواقف الدول تحكمها اعتبارات عليا من المصالح يدركها ويتفاهم عليها «السياسيون الكبار» في الدول الشقيقة، وربما تغيب تلك الاعتبارات عن ذهنية الشعوب المنفعلة تحت تأثيرات اجتماعية أو مذهبية.

النهار

تعليقات

اكتب تعليقك