عبد الله زلطة يروي القصة الكاملة لجزيرتي ' تيران' و' صنافير'

زاوية الكتاب

كتب 1472 مشاهدات 0


السياسة

القصة الكاملة لتيران وصنافير

د. عبدالله زلطة

 

منذ توقيع اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والمملكة العربية السعودية في الثامن من شهر أبريل الجاري، ولا حديث لرواد مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، إلا قضية جزيرتي تيران وصنافير.

هناك الأغلبية المؤيدة للرئيس عبد الفتاح السيسي، الداعمة لكل خطوة يخطوها، الواثقة في رجل منحته تفويضا كاملا لإدارة الدولة المصرية، بينما نجد فئة تمثل جماعة الإخوان وبعض شرائح الشباب الذين يصدقون مايكتب وينشر على صفحات الفيسبوك دون تمحيص أو دراية بالوثائق التاريخية وأبعاد الأمن القومي العربي فما قصة هاتين الجزيرتين؟

تقول الأبحاث التاريخية انه عند مدخل خليج العقبة أربيل صغير يشتمل على عدد من الجزر الصغيرة الصخرية يبلغ عددها نحو 30 كانت تابعة كلها للمملكة العربية السعودية. وأكبر هذه الجزر جزيرتا تيران وصنافير اللتان تتحكمان في مداخل الخليج.

وتبعد جزيرة تيران عن ساحل سيناء بنحو ستة كيلو مترات تقريبا. والى الشرق منها توجد جزيرة صنافير على بعد ثلاثة كيلومترات. وتنتشر مجموعة من الجزر في هذه المنطقة على مقربة من ساحل المملكة العربية السعودية.

وتدل القراءة المتانية لتاريخ المنطقة أن جزيرتي تيران وصنافير ظلتا لمئات السنين قابعتين في مكانهما دون أن تمثلا أي أهمية سواء لمصر أو للسعودية لكنهما بعد حرب 1948، قفزتا الى صدارة صفحات التاريخ، فبعد انتهاء الحرب وإعلان الهدنة، تم توقيع اتفاقية رودس في ربيع 1949 بين إسرائيل من جهة وكل من مصر والأردن وسورية ولبنان من جهة أخرى.

وبعد مرور أقل من شهر على توقيع هذه الاتفاقية أو الهدنة احتلت إسرائيل قرية أم الرشراش على خليج العقبة بدعوى أن قبيلة يهودية قديمة اسمها “بنو ايلة” كانت تقيم فيها، وأطلقت عليها إيلات. ومنذ ذلك التاريخ خشيت السعودية أن تكون خطوة إسرائيل التالية احتلال تيران وصنافير، فطلب الملك عبدالعزيز آل سعود في يناير 1950 من الملك فارق حاكم مصر ومن رئيس حكومته مصطفى النحاس باشا تولي مسؤولية حماية الجزيرتين، فاستجابت مصر للطلب السعودي وأرسلت قوات لها لتأمين الجزيرتين من الأطماع الإسرائيلية الرامية لاحتلالهما. وهكذا مضت السنون والجزيرتان تحت السيادة المصرية ولم تطلب السعودية استعادتهما، خصوصا في ظل أجواء مضطربة بلغت ذروتها في اشتراك إسرائيل في العدوان الثلاثي على مصر في 29 أكتوبر 1956 واحتلت الجزيرتين ولم تنسحب منهما إلا في شهر مارس 1957 رغم انسحاب بريطانيا وفرنسا في 23 ديسمبر 1956. وكان من أهم وأخطر نتائج تلك الحرب أن ضمنت إسرائيل حرية الملاحة في مضيق تيران ومن ثم خليج العقبة والبحر الأحمر وتم لها ماأرادت تحت حماية قوات الطوارئ الدولية.

وفي شهر مايو 1967 أعلن الرئيس جمال عبدالناصر في مؤتمر صحافي عالمي إغلاق مضيق تيران أمام السفن الإسرائيلية، لما اعتبرته إسرائيل إعلان حرب من جانب مصر فشنت هجوما بقواتها الجوية صباح الخامس من يونيو كانت نتيجته أحداث شلل في البنية الأساسية للجيشين المصري والسوري واحتلال سيناء والجولان والضفة الغربية للأردن.

وكان الرئيس عبدالناصر قد سئل في ذلك المؤتمر الشهير الذي سبق حرب يونيو عن وضع جزيرتي تيران وصنافير، فرد على الفور بأنهما مصريتان.

وهكذا تلقفت قلة من معارضي اتفاقية ترسيم الحدود المصرية السعودية، التي وقعت حديثا، تصريحات الرئيس عبدالناصر وراحت تنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي مما دعا وزير الخارجية المصري السيد سامح شكري للتعليق والإيضاح بان كلام الرئيس عبدالناصر كان مجازيا وأنه كان موجها لاسرائيل في ظل أجواء ملتهبة سادت منطقة الشرق الأوسط في ذلك الوقت.

وقد أوضح السيد سامي شرف مدير مكتب الرئيس جمال عبدالناصر في مقال نشر له بجريدة الأهرام بتاريخ 18أبريل انه كان هناك اتفاق بين الحكومتين المصرية والسعودية على أن تكون الجزيرتان تحت الحماية المصرية فقط لقدرة مصر العسكرية على القيام بهذا الدور مادام هناك عدو صهيوني يهدد أمن كلا البلدين. وقال سامي شرف، الذي كان يعد من أقرب المقربين للرئيس عبدالناصر: ان الرئيس ادلى بهذا التصريح في ظرف محدد ولسبب يمس الأمن القومي المصري قبل حرب عام 1967 وان تصريحه كان مبنيا على اتفاق سابق بين مصر والمملكة العربية السعودية .

وعقب حرب أكتوبر وأثناء المحادثات المصرية الاسرائيلية لاعداد اتفاقية سلام بين البلدين، أصر المفاوض الإسرائيلي على صياغة بند في الاتفاقية ينص على ترتيبات أمن على جانبي الحدود المصرية الاسرائيلية ويقضي بتقسيم سيناء طوليا الى منطقة (أ) ويوجد بها وحدات من الجيش ومنطقة (ب) وتحتوي على وحدات من حرس الحدود ومنطقة (ج) ويكتفي فيها بوجود قوات من الشرطة والأمن المركزي. إضافة إلى بند آخر يؤكد أن مضيق تيران وخليج العقبة من الممرات المائية الدولية التي تستفيد بها كافة الدول دون عائق أو تقييد لحرية الملاحة.

وفي إطار ماعرف باتفاقية كامب ديفيد تم الاتفاق على السماح بوجود قوات متعددة الجنسيات لمراقبة مدى التزام كل طرف ببنود وأحكام الاتفاقية، توجد بمقتضاها قوة صغيرة على جزيرة تيران الى جانب قوة شرطة مصرية باعتبار الجزيرة مصنفة ضمن المنطقة (ج) .

وبعد رحيل الرئيس أنور السادات وتولي حسني مبارك حكم مصر، بعث رسالة شفهية حملها الرئيس السوداني جعفر النميري الى الملك خالد بن عبدالعزيز العام 1981 تضمنت رجاء بعدم إثارة موضوع الجزيرتين حتى يتم الانسحاب الإسرائيلي من كل الأراضي المصرية.

وفي 14 سبتمبر 1988 تلقى الدكتور عصمت عبدالمجيد وزير الخارجية المصري رسالة من الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي تتضمن رغبة المملكة السعودية في استعادة جزيرتي تيران وصنافير.

وفي العام التالي 1989 تلقى وزير الخارجية المصري رسالة اخرى من نظيره السعودي يكرر فيها طلب السعودية (عودة الجزيرتين بعد أن انتهت أسباب الإعارة) وبناء على هاتين الرسالتين تقدم الدكتور عصمت عبد المجيد بمذكرة رسمية لمجلس الوزراء المصري يعرض فيها رغبة السعودية في استعادة الجزيرتين ويقترح الرد على رسالتي سعود الفيصل (بموقف ايجابي، خاصة وأن لنا رغبة أيضا في إقامة جسر يربط بين البلدين) وطالب في مذكرته بصدور قرار من مجلس الوزراء بتفويضه بتوقيع خطاب الى الأمير سعود الفيصل ردا على خطابه. وفي 18 يناير 1990 نشرت الجريدة الرسمية في مصر نص قرار جمهوري اصدره الرئيس الاسبق حسني مبارك تضمن خطوط الأساس التي تقاس منها المناطق البحرية لجمهورية مصر العربية في البحرين الأحمر والمتوسط. وبعد ان وقعت القيادتان المصرية والسعودية اتفاقية ترسيم الحدود بين البلدين في الثامن من أبريل الجاري، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي أن الاتفاقية لم تخرج مطلقا عما نص عليه القرار الجمهوري الصادر العام 1990 .

خلاصة القول:إن جزيرتي تيران وصنافير مملوكتان للمملكة العربية السعودية وإن الوجود المصري بهما منذ العام 1950 حتى الآن كان بهدف حمايتهما من الأطماع الإسرائيلية الرامية لاحتلالهما. وسوف يصبح الجسر الذي سيقام بين البلدين الشقيقين أكبر إنجاز من نوعه في الشرق الأوسط بما يعود على الشعبين المصري والسعودي وكافة دول المغرب العربي ودول الخليج بالخير والرفاهية والسلام.

 

السياسة

تعليقات

اكتب تعليقك