يسير في بحر متلاطم.. داود البصري معقبا علي أزمات العراق

زاوية الكتاب

كتب 693 مشاهدات 0

داود البصري

السياسة

العراقيون..وخيبة البحث عن قائد

داود البصري

 

أفرزت الأزمة القائمة في العراق، والمتصاعدة، فصولا وأشكالا مختلفة حقيقة أن القيادات العراقية الراهنة ليست مؤهلة أبدا لقيادة أي شيء ولا حتى نفسها. والشعب العراقي أو الجموع الشعبية التي ركضت ولهثت خلف مقتدى الصدر وهو يستعرض وينام في الخيم ويهدد بالتصعيد ويرفع شعارات الاقتحام والتصدي، سرعان ما أصيبت بخيبة أمل قاتلة بعد انسحاب الصدر، وهو ليس الانسحاب الأول، بل سبقته انسحابات وستعقبه انسحابات كثيرة مقبلة، فالرجل لايمتلك من مواصفات الإصرار والقيادة الجماهيرية شيئا بالمرة سوى الاسم الذي ورثه والذي لايعطيه أي كاريزما أو مقدرة قيادية.

مايشهده العراق من انقسام حاد وصل حتى للمؤسسات التشريعية والسياسية، ومن ضياع للأهداف الوطنية في ظل فوضى الشعارات المتباينة الأغراض والأهداف ليس بالأمر الجديد ولا المفاجئ، بل إنه يدخل ضمن إطار الحالة العراقية العامة، وهي حالة صراع وتناطح وتحاصص حاولت أطراف عدة الخروج من شرنقته وشباكه القاتلة دون جدوى، فالإنقسام العميق قد ضرب أطنابه حتى داخل الحزب أو التجمع الواحد، وهلامية القيادة أضحت هي السمة العامة، والشارع العراقي الهائج لايجد في واقع الأمر من يلم صفوفه ويوحد رؤاه في زمن ووضع إختلط فيه الحابل بالنابل وتشابكت مختلف الرؤى والتصورات!، ففي الإعتصامات الجماهيرية الأخيرة برز التناقض على أشده بين مصلحة الجماهير ومصلحة القيادات التي هي أصلا جزء من حالة الفساد التي تظاهر ضدها المعتصمون ، فمنظومة الفساد العراقي الرهيب هي التي أنتجت كل هذا الكم الهائل من الخراب، وأخرجت الجماهير للشارع وأنطلقت تلك الجماهير تحاول الخلاص من الحالة الحرجة التي يعانيها البلد بعد أن أوصلت قيادات الفشل أوضاعه لأسوأ منحدراتها، فالفشل قد ضرب كل جوانب الدولة التي أضحت مفلسة وفاشلة تعتمد في تدبير صرف رواتب موظفيها على منح وأعطيات وقروض صندوق النقد الدولي رغم المليارات الهائلة التي سرقت دون أن تتمكن السلطة من إستعادتها رغم معرفة هوية السارقين وشخوصهم وهم للأسف نفس قادة العملية السياسية الكسيحة!، وهي حالة غير مسبوقة في أي بلد من بلدان العالم. فبعض التيارات السائدة قلبت الدنيا بتظاهرات إستعراضية إتضح فيما بعد أنها مجرد مهرجان للضحك على الذقون و الإستعراضات الفارغة!، إذ لم تكن هنالك أي نتيجة ملموسة من تلكم التظاهرات سوى المظاهر الإعلامية المحضة، وفي إعتصام وإنقسام البرلمان الأخير وتمرده على رئاسة البرلمان إنسحبت مجاميع كانت تدعي محاربة الفساد من الميدان لأسباب مجهولة و تخلت عن شعاراتها المعلنة وذابت ذوبانا تاما في مهرجان (شرعنة الفساد )!، ما أوجد وضعا بائسا ويائسا للجماهير التي تعاني حاليا من فراغ قيادي سيؤدي لاحقا لإنقلاب كبير في المفاهيم وفي النظرة للكيانات السياسية القائمة التي أعلنت إفلاسها التام والصريح ،فالتيار الصدري مثلا والذي قاد زعيمه الإعتصامات الجماهيرية على أبواب المنطقة الخضراء ونصب خيمته الشهيرة في داخها لم يستطع أن يحقق نتائج إيجابية لصالح الأهداف المطلوبة وهي تتمثل في إلغاء المحاصصة وتشكيل حكومة تكنوقراط والخروج من حالة الفشل الحكومي! لكن رغم المناورات وحركات الإستعراض والشعارات الحماسية وبقية الأمور الأخرى إلا أنه في النهاية تبخر كل شيء، وبقي الوضع على ماهو عليه، بل لم يتحقق أي شيء و لن يتحقق، فمطالب الجماهير لن يحققها أولئك المتربعون على قمة السلطة ومن المتورطين وأحزابهم و كتلهم بالفساد حتى العظم!، من الصعب إحداث أي تغيير في وضعية الجماعات السياسية السائدة وهو مادفع مقتدى الصدر ذاته لطلب تدخل دولي عاجل من الأمم المتحدة أو منظمة المؤتمر الإسلامي أو أي طرف دولي قادر على إخراج العراق من كبوته الثقيلة، لايوجد في العراق قيادة موحدة وجماهيرية بإستطاعتها فرض رؤية علاجية محددة من خلال إلتفاف الجماهير حولها، بل ما هو كائن مجرد مجاميع تتداول الفشل وتؤطره ضمن سياقات مرعبة في العدمية والتخلف، أزمة القيادة في العراق كانت حاضرة لعقود طويلة، وهي سمة حولت العراق لساحة متناقضات وأحقاد ومعارك لتيارات بعضها يسبح في عمق وقعر المرحلة المظلمة من تاريخه للأسف، فيما تراجعت التيارات التقدمية والوطنية فاسحة المجال لقوى التخلف والعدمية والخرافة في أن تهيمن على المشهدين السياسي والإجتماعي وتحيل العراق لأرض للعراك والنهب وسطوة الطائفيين المتخلفين!، وفي النهاية فإن الحمل لاينهض به إلا أهله ، ولربما تؤدي حركة الشارع العراقي المتلاطم لبلورة تيار شعبي جديد باستطاعته توجيه دفة السفينة نحو مرافئ الأمان، ولكن أكبر تحد يواجه أي تيار شعبي وحداثي هو قلاع المافيات السلطوية المتحكمة التي أضحت تمثل حجر عثرة حقيقية في طريق تقدمه وانعتاقه ، فكأن صرخات شاعر العراق الكبير الراحل معروف الرصافي لم تزل هي الوصفة السليمة لما يجري ويدور حيث قال :

من أين يرجى للعراق تقدم

وطريق ممتلكيه غير طريقه

لا خير في وطن يكون

السيف عند جبانه

والمال عند بخيله

والرأي عند عديمه

العراق يسير اليوم في بحر متلاطم بانتظار مفاجآت قد تقلب الصورة الكئيبة الراهنة. 

السياسة

تعليقات

اكتب تعليقك