عن تمثيل الشخص المعنوي والجدل الفقهي أمام القانون- يكتب د.عبدالعزيز أبوخشبة مقالاً قانونيا متخصصاً

زاوية الكتاب

كتب 4125 مشاهدات 0


تمثيل الشخص المعنوي 
 
من المعلوم بأن القانون قد سبق إلى الاعتراف بالشخصية الاعتبارية (أو المعنوية وهو الأرجح إلا أن المشرع استخدم اللفظ الأول لذا هو ما سنلتزم به) لبعض الأموال والتجمعات، وقد أصبح هذا الأمر مسلما به في التشريعات الحديثة بغض النظر عن اختلافهم حول طبيعة هذه الشخصية الاعتبارية وتكييفها عما إذا كانت حقيقة واقعية أم أمرا افتراضيا، حيث أن هذا الخلاف، كما يصفه الفقيه الأستاذ الدكتور أبوزيد رضوان رحمه الله، ليس سوى جدلا أصم لامعنى له، ذلك أن المحصلة النهائية هو الاعتراف بالشخصية القانونية التي يمكن أن تكون محلا للتحمل بالحقوق والالتزامات.
 
وحيث أن الشخص الاعتباري يستحيل عليه أن يباشر نشاطه بنفسه إلا من خلال أشخاص طبيعيين يقومون بتمثيله والعمل باسمه ولحسابه في الحياة القانونية (أ.د. حسن كيرة - المدخل للعلوم القانونية- ص ٦٥٥) .
 
ويتولى القانون أو نظام الشخص الاعتباري تحديد ممثليه من الأشخاص الطبيعيين بصفاتهم التي يشغلونها في الهيكل العضوي الذي يتكون منه هذا الشخص الاعتباري.
 
وقد اختلف في تكييف العلاقة بين الشركة وممثلها القانوني على أنها علاقة وكالة نيابية، تنصرف فيها آثار التصرفات التي يقوم بها ممثل الشركة إلى ذمة الأصيل ألا وهي الشركة، دون أن تنشغل ذمته بأي من هذه الالتزامات، طالما أنها كانت في حدود ما هو ممنوح له من سلطة، وطالما أنه قد قصد في هذه الأعمال مصلحة الشركة، باذلا فيها العناية المطلوبة منه.  (د. محمود مختار أحمد بربري- الشخصية المعنوية للشركة التجارية- ص ٧٤).  
 
والحقيقة أن طبيعة ممثل الشخص الاعتباري تختلف عن طبيعة الوكيل أو النائب، فممثل الشخص الاعتباري هو يعبر عن إرادة الشخص الاعتباري نفسه، بخلاف الوكيل أو النائب الذي يعبر عن إرادته هو نيابة عن إرادة الأصيل، وهذا فارق جوهري قلما يفطن له البعض، الأمر الذي أدى بالبعض  إلى القياس في ترتيب الآثار القانونية على علاقة الشخص الاعتباري بممثله بعلاقة الوكيل بموكله.
 
إلا أنه قل مؤيدو هذه النظرية في الفقه القانوني الحديث، حيث اتجه الكثير من الفقهاء إلى ترجيح احدى النظريات التي راجت في الفقه الألماني، وهي نظرية الجهاز أو الأداء، فبمقتضاها لايتصور وجود الشخص الاعتباري إلا بوجود أجهزة يتكون منها وتحقق نشاطه في الحياة،  بحيث لايمكن تصور وجوده بشكل مستقل عن هذه الأجهزة المكونة له، والتي من خلالها يمكن له أن يمارس نشاطه ويحقق أغراضه، كما هو الحال بالنسبة للشخص الطبيعي حينما يستخدم أعضائه، وعليه فإن ممثل الشركة القانوني لايكون بهذه المثابة وكيلا ولا نائبا عن الشركة بل هو عنصر جوهري في الشركة وعنصر داخل في تكوينها وبنائها، ولا تستطيع الشركة أن تعمل إلا بواسطته، أو على حد تعبير البعض، هو فم الشركة الذي ينطق ويدها التي توقع. (أ.د. محمد فريد العريني- الشركات التجارية- ص ٨٠).
 
كما أن في اعمال نظرية العضو، وبخلاف نظرية الوكالة، يغلب الطابع القانوني على الطابع العقدي بخصوص مصدر هذه السلطات التي يتمتع بها ممثل الشخص المعنوي، حيث تسند، طبقا لهذه النظرية، كل تصرفات ممثل الشركة وأفعاله إلى الشركة، دون فحص لعلاقة الوكالة وحدودها (د. محمود مختار أحمد بربري- الشخصية المعنوية للشركة التجارية - ص ٧٥).
 
ولعل الذي حمل البعض على تكييف علاقة الشركة بممثلها القانوني على أنها علاقة وكالة نيابية، هو قياس هذه العلاقة على علاقة الشركة بمجلس إدارتها على اعتبار أن الأخير وكيلا عن الشركة أو المساهمين فيها.
 
والحقيقة أن هذا قياس مع الفارق، ذلك أن مجلس إدارة الشركة يعبر عن إرادته هو نيابة عن الشركة أو جماعة المساهمين، وذلك بخلاف ممثل الشركة الذي يعبر عن إرادة الشركة.
 
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإننا لو سلمنا بتطبيق نظرية الوكالة على مجلس إدارة الشركة من باب القياس ، لما لزم المشرع  النص في قانون الشركات على تطبيق بعض أحكام الوكالة ولاعتبر  ذلك تزيدا لا حاجة فيه،  ويتنزه المشرع عنه، فمن ذلك مثلا ما جاء بشأن المسؤلية التضامنية للوكلاء المتعددون / أعضاء مجلس الإدارة (202 شركات ، 709 مدني)، وكذلك ضرورة تقديم البيانات للموكل / المساهم (البند 3 من المادة 178 شركات ، 706 مدني)، ومن حق الموكل في عزل الوكيل / المساهم في إقالة رئيس وأعضاء مجلس الإدارة (202 شركات ، 717 مدني)، وماتقرر من ضرورة تنفيذ الوكالة في حدودها المرسومة / تنفيذ مجلس الإدارة لقرارات الجمعية العامة للمساهمين (214 شركات ، 704 مدني)، بل إن هذا هو  مادفع المشرع إلى التوسع في النص على تصرفات مجلس الإدارة  التي تتطلب إذنا خاصا من الجمعية العامة، كما هو في نص المادة ١٨٤ من قانون الشركات التجارية رقم ٢٠١٦/١، ولو كان الأمر مسلما به في اعتبار مجلس الإدارة وكيلا عن الشركة أو المساهمين لأغناه ماجاء في نص ١/٧٠٢ من القانون المدني عن النص على هذه الأحكام في قانون الشركات التجارية، (يرى الدكتور طعمة الشمري حفظه الله بأن التصرفات التي تحتاج إلى إذن خاص والتي أشار إليها نص المادة ١٤٦ من قانون الشركات الملغي- ويقابلها المادة ١٨٤ في القانون الجديد ، إنما وردت على سبيل الحصر لا المثال، وهو في هذا كأنه يرجح اعتبار مجلس إدارة الشركة المساهمة عضوا في جسد الشركة أو أحد أدواتها وليس وكيلا عنها- يراجع مؤلفه 'مجلس إدارة الشركة المساهمة- ص ١١١).
 
وبذلك لا نتفق مع من وصف ممثل الشركة بأنه وكيلا عنها، حيث رتبوا على هذا الوصف عدم جواز توكيله للغير إلا بإذن خاص طبقا لأحكام الوكالة المنصوص عليها في القانون المدني، فممثل الشركة حينما يوكل محاميا هو في الحقيقة ليس وكيلا ينيب غيره في بعض أعمال نيابته، وإنما هو في الحقيقة يعبر عن إرادة الشركة في تعيين وكيل بالخصومة عنها عن طريق ممثلها القانوني الذي يعبر عن إرادتها.
 
كما أن العرف قد جرى بجواز ذلك، وأن محاولة تقييد هذا العرف قد تمت باعمال القياس في أحكام الوكالة، والمعروف في قواعد الأصول أن العرف أعلى مرتبة من القياس، وبالتالي لايجوز تقييده ولا إلغاؤه بالقياس (المادة الأولى من القانون المدني، وكذلك المادة الثانية من قانون التجارة رقم ١٩٨٠/٦٨).
 
كما أن النص قد فصل بين اختصاص رئيس مجلس إدارة الشركة المساهمة باعتباره ممثلا عن الشركة وبين اختصاصاته باعتباره عضوا في مجلس إدارتها ورئيسا لهذا المجلس، حيث قرر في المادة ١٨٣ من قانون الشركات على أن '...ويمثل رئيس مجلس الإدارة الشركة في علاقتها مع الغير وأمام القضاء، إلى جانب الاختصاصات الأخرى التي يبينها عقد الشركة ...'، فلو سلمنا بوصفه وكيلا على اعتبار عضويته في مجلس الإدارة فلا يسلم بذلك باعتباره ممثلا للشركة،  ولا يلزم في الحقيقة لصحة توكيل محام للشركة إلا أن يتم ذلك وفق القواعد العامة في إدارة الشركة المساهمة، والتي لمجلس إدارتها أوسع السلطات في إدارتها ولا يحد من ذلك إلا نص القانون أو النظام الأساسي أو قرارات الجمعية العامة، والأصل أن توكيل محام عن الشركة هو من أعمال الإدارة وليس من أعمال التصرف، طالما لم يتضمن ذلك تفويضا بالصلح، أو الإقرار، أو طلب اليمين، أوردها، أو غير ذلك من أعمال التصرف التي تتطلب تفويضا خاصا ممن هو مخول بذلك.
وبذلك يتبين عدم صحة ماذهب إليه البعض  من أن الأمر قد يتطلب تعديلا تشريعيا بتعديل نص المادة ١٨٣ بما يسمح لممثل الشركة بتوكيل محام عن الشركة، بل إن الأصل هو جواز ذلك دون الحاجة إلى تعديل النص طالما أن اختيار المحامي والتعاقد معه قد صدر ممن يملك ذلك طبقا للنظام الأساسي للشركة وللقانون ولقرارات الجمعية العامة.
 
كتبه: دكتور عبدالعزيز ابوخشبة
د. عبدالعزيز أبوخشبة

تعليقات

اكتب تعليقك