شيزوفرينيا حرق المصحف… من البصرة وبيروت إلى ستوكهولم

كلام و سوالف

الآن 5004 مشاهدات 0


الأمر بلا شك شائن وحقير ومدان. أتحدث هنا عن هوس حرق نسخ من المصحف في السويد، إذ يركب البعض موجات افتعال تدنيسه، ليس للشهرة فحسب، ولا للاستعراض الإعلامي.

 في الصحيفة الجنائية لبعض من يرتكبون تلك الشائنة، أو يتقدمون بطلبات "تظاهرة" أمام مسجد أو سفارة، أحكام بالتزوير والابتزاز والاعتداء الجسدي. بل إن سياسياً، مثل المحامي الدنماركي-السويدي راسموس بالودان (زعيم حزب يميني متطرف) محكوم أصلاً بالسجن مع وقف التنفيذ وغرامات مالية، على خلفية قوانين مكافحة العنصرية في كوبنهاغن.

أن يتخذ أمر حرق نسخة من المصحف طابعاً آخر يقلد فيه البعض بالودان في وضاعته المنتقدة من ساسة إسكندنافيا، فذلك ما يسترعي انتباهاً. بعضهم آتون من "الحشد الشعبي" الشيعي، وفروعه الأخرى عند الأديان الأخرى، وتحديداً ذاك "العراقي" الذي وجدها ضالة لإقناع السويديين بمنحه لجوءً دائماً، وهو حاصل على مؤقت، ولتبييض سجله الجنائي، وللهروب من مثوله أمام محاكم استوكهولم لارتكابه ما ذكر آنفا في صفحته الجنائية، وعن ماضيه في ارتكاب جرائم تحت مظلة "الحشد". فكأنهم يطلقون مكنونات ما اعتمر في صفوف مليشيا إيران في العراق وسوريا، بالممارسة لا بالتنظير، وأمام ناظري ملايين العرب.

هذه الشيزوفرينيا المسكوت عنها عربياً وإسلامياً هي أم مصائب الجهل المستوطن في مفاهيم "الوطنية" تحت رايات ما يقرره "الولي الفقيه" وتوابعه، وكأنهم يلعبون لعبة أنهم "أكثر حرصاً" على القرآن، كحرصهم على "تحرير القدس" في 7 دقائق، ورفع شعارات "الموت لإسرائيل وأمريكا"، بينما طرق القدس مرت على أجساد عربية غضة، من اليمن إلى بيروت.

المشهد الأكثر وقاحة، من غير العته في اعتبار "حرية التعبير" حكراً في استهداف كتاب مقدس عند ملياري إنسان، أن تصل مستويات الانفصام إلى هذا المستوى البولوودي في اقتحام سفارة السويد ببغداد واستخدام خراطيم المياه، بينما الرصاص زخا في ثورة الشباب العراقي 2019، وبعد أشهر قليلة من اقتحام "أشاوس الغيرة على العرض والدين" مساجد جماعة الصرخي، فأُحرقت هي ومصاحفها، وطورد في حواري البصرة وعموم مدن جنوبي العراق أتباع الرجل، فقط لأنه فكر خارج صندوق المعممين.

بل لعل المشهد التمثيلي المفضوح، في انفصاماته العميقة الدلالات، أن يأتي بعد أيام من هدم مسجد عمره 300 سنة، بحجة "توسيع طريق"، دونما اكتراث حينها بالإسلام ولا المسلمين.

في بيروت أيضاً أطلق حشد من ميليشيا أخرى تتبع "الولي الفقيه" صرخته المتأثرة على الدين، وعلى القرآن والإسلام.

العجيب في الأمر أن ذات الحشد "اللبناني" مع إخوته الحقيقيين، من باكستانيين وأفغان وعراقيين، وبقية العقول والبنادق القابلة للاستئجار، لعن نفسه وبدعم أشقائه سنسفيل السوريين، من القصير إلى حوران، باسم "يا لثارات الحسين" و"زينب لن تسبى مرتين" و"حماية المراقد"، مسخفين السوريين باعتبارهم ما خرجوا في ثورتهم سوى لاستهداف ما يسوقه المعاتيه، رافعين على مآذن المساجد التي "حررت" من أهلها وقاطني مناطقها. وما زالت في الذاكرة مذبحة "الحولة" التي ترجى فيها طفل صغير ألا يُذبح بسكين "مجاهد" يفتش على "حفيد يزيد"، كما أطلق بالمناسبة رئيس وزراء العراق الأسبق (وهو في منصبه) على سنة سوريا والعراق بـ"أحفاد يزيد".

في كل الأحوال، توصيف الواقع الغارق في وحل الطائفية والغرف من بكائيات التاريخ لا يعني أن سقف الواصف يعزز الطائفية، بل يصف انتشار ثقافة التمويه. تارة باسم إطلاق وصف "داعشيون، وهابيون، عرعوريون، نواصب.. إلخ" على "إخوة الدين"، بل "أنفسنا" في عصر ثقافة أبو عزرائيل في نصب أسياخ شواء أجساد هؤلاء "الأنفس".

فثقافة أبو عزرائيل، وصرخات تهديد "الشام" من على سيارة في حي الأمين (وحارة اليهود) وسط العاصمة السورية، واستفزاز بالتبول على قبر معاوية بن أبي سفيان قرب الجامع الأموي، وعربدة ممتدة من الموصل إلى كل غرب العراق وبغداد، ترهيباً بأسياخ شواء أبو عزرائيل، والتهم المعلبة، مع وصلات قصف مساجد ممتدة من مسجد خالد بن الوليد في حمص إلى المسجد العمري في درعا، وصولاً إلى أبو الخصيب، ما فيها من شيء يُذكر سوى بشيزوفرينيا تصوير بلووودي، يذكر المتلقي بكذبة أن "جيش المهدي" هو الذي قاوم الاحتلال الأمريكي في العراق.

يا سادة، حرق نسخة من المصحف استفزاز حقير بلا شك. لكن مقابله، وباسم شيء من دين وإسلام حُرق بشر وهُجّر ملايين ودُمرت مدن وصوامع ومساجد، واستُهزئ فيها بكل الدين. فأية غيرة تلك التي يسوقها حارقو المساجد ومهجرو الشعوب ومكفرو كل من لا يؤمن بنظرية الإمامة أو يرضخ لطهران؟

تعليقات

اكتب تعليقك