متطرقا لإجتماع الأسرة الحاكمة، أحمد الديين يطالبنا بالتفكير جدّيّا في وضع حدٍّ للصراع المنهك بين النهج السلطوي ومشروع إقامة الدولة الحديثة ؟َ!

زاوية الكتاب

كتب 1896 مشاهدات 0



اجتماع الأسرة 
 
كتب احمد الديين

عندما يجتمع أركان أي أسرة من الأسر، فإنّ هذا الاجتماع شأن أسريّ خاص لا شأن للآخرين به... ولكن عندما يجتمع أركان الأسرة الحاكمة الكريمة وعندما يدور اجتماعهم حول الأوضاع العامة، فإنّ مثل هذا الاجتماع لا يمكن النظر إليه على أنّه شأن أسريّ خاص.
من هذا المنطلق فمن الطبيعي أن يقع الاجتماع الأخير لأركان الأسرة الحاكمة الكريمة ضمن دائرة الاهتمام العام، خصوصا أنّه انعقد في ظل التطورات السياسية العاصفة في المنطقة والوضع السياسي المأزوم في البلاد.
وأحسب أنّه من نافل القول تكرار تأكيد طبيعة العلاقة الخاصة التي تربط الأسرة الحاكمة الكريمة بالمجتمع الكويتي، التي تختلف كثيرا عن علاقات الأسر الحاكمة الأخرى مع شعوبها، وقد صدّق الآباء المؤسسون من أعضاء المجلس التأسيسي في العام 1962 عندما ثبّتوا في المذكرة التفسيرية للدستور تلك العبارة ذات الدلالة، التي تؤكد أنّ “الأسرة الحاكمة من صميم الشعب تحس بإحساسه ولا تعيش في معزل عنه”... ويكفي أنّ صباحا الأول اعتلى مسند الإمارة باختيار أهل الكويت، وأنّ صباحا الرابع، حضرة صاحب السمو الأمير الحالي حفظه اللّه ورعاه، قد تولى الإمارة عن طريق المبايعة الدستورية المشهودة لممثلي الأمة التي جسدت الشرعية التاريخية للإمارة التقليدية وعززتها بشرعية دستورية في إطار الدولة الحديثة.
والآن، وبغض النظر عن تفاصيل الاجتماع الأخير لأركان الأسرة وما دار فيه، فقد حان الوقت للعودة مجددا إلى ذلك التوافق التاريخي الذي كان قائما بين مشروع الحكم ومشروع بناء الدولة الكويتية الحديثة في إطار الدستور، مثلما كان عليه الأمر في بدايات عهد الاستقلال والعهد الدستوري، وهذا ما يتطلب التخلي عن محاولات وضع “مشروع الحكم” في مواجهة ومجابهة مع مشروع بناء الدولة الحديثة، ويتطلب أيضا التخلي عن تلك النظرة القاصرة التي يرى البعض فيها دستور 1962 على أنّه خطأ تاريخي يجب تصحيحه، بينما الواقع أنّ هذا الدستور لم يكن مجرد مكسب شعبي، وإنما هو أيضا، وربما هو قبلا وبالأساس، مكسب للأسرة الحاكمة نفسها.
وفي هذا الإطار فقد أصبح مستحقا الإقرار بالمعادلة الدستورية الرئيسية ذات الطرفين المستندة إلى المادتين الرابعة والسادسة معا... فلئن كانت المادة الرابعة تؤكد أنّ “الكويت إمارة وراثية في ذرية المغفور له مبارك الصباح” فإنّ المادة السادسة تقر في المقابل أنّ “نظام الحكم في الكويت ديمقراطي السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعا”، ومن ثَمَّ لم يعد مقبولا تكرار التلويح أو الحديث عن إجراءات خارج نطاق هذه المعادلة، التي طالما التزمها الطرف الشعبي ولم يحد عنها قيد أنملة، مع أنّ دستور 1962 هو دستور الحدّ الأدنى ولا يشكّل دستورا ديمقراطيا مكتمل الأركان.
ولعلّه من المفيد التذكير أيضا بالنصّ الوارد في المذكرة التفسيرية للدستور في شأن “جواز تعيين أعضاء الأسرة الحاكمة وزراء من خارج مجلس الأمة. وهذا هو الطريق الوحيد لمشاركتهم في الحكم”، ما يعني أنّ هذا التعيين استثناء وليس قاعدة، بما لا يصحّ معه أن تتحوّل المشاركة الاستثنائية إلى احتكار لبعض المناصب الرئيسية في الحكومة، هذا ناهيك عن حدود القدرات الذاتية والكفاءة السياسية لبعض هؤلاء، الذين احتكروا المناصب وأصبحوا عبئا على الدولة وعلى النظام.
باختصار، لقد حان الوقت للتفكير جدّيّا في وضع حدٍّ للصراع المنهك والممتد منذ سنوات طويلة والمحسوم تاريخيا في نهاية الأمر بين النهج السلطوي من جهة وبين مشروع إقامة الدولة الحديثة ومتطلبات تطوّر المجتمع الكويتي من جهة أخرى.
 

عالم اليوم

تعليقات

اكتب تعليقك