وزراء الفحم ووزراء الألماس في مقال أحمد الديين

زاوية الكتاب

كتب 1283 مشاهدات 0


 

وزراء الفحم والألماس! 
 
كتب أحمد الديين
 
بعيدا عن الإغراق في التفاصيل العلمية، يمثل الكربون العنصر الأساسي في التركيب الكيميائي للفحم والألماس، ولكن مع اختلاف كبير بينهما في اصطفاف ذرات عنصر الكربون، فهي ضمن اصطفاف معين تنتج فحما، وضمن اصطفاف آخر تشكّل الألماس... وكذلك هي حال وزرائنا!
ولعلّنا عندما نتوقف أمام أسماء الوزراء الجدد، بل عندما نستذكر أسماء أمثالهم من وزراء التشكيلات الحكومية المتعاقبة خصوصا بعد التحرير، فقد لا نجد مأخذا يُذكر على كفاءة بعضهم كأشخاص أو مهنيتهم إن كانوا من ذوي الاختصاص، ولكن الكفاءة الشخصية أو المهنية لهؤلاء الوزراء تفتقد أهميتها وتصبح أمرا غير ذي معنى ضمن التركيبات القائمة للحكومات الكويتية المتعاقبة، شأنهم في ذلك شأن الكربون في تركيبة الفحم، بينما قد تكون هذه الكفاءة الشخصية أو المهنية لأمثال هؤلاء الوزراء ذات وزن وأثر ايجابي بالغين على الأداء الحكومي في ظل تركيبات حكومية مختلفة عندما يكون الدستور محترما وأحكامه مطبّقة... والسبب في هذا الفارق الشاسع بين “وزراء الفحم” و”وزراء الألماس” يعود إلى العيوب والاختلالات البنيوية التي تعانيها معظم التشكيلات الحكومية في ظل سطوة النهج السلطوي وافتقادها دورها الدستوري المقرر منذ الانقلاب الأول على الدستور في العام 1976 وما تلاه من تبدّلات وتراجعات.
ولمزيد من التوضيح فإنّ الوزارة منصب سياسي، والدور الرئيسي للوزير هو المشاركة في صنع القرار السياسي للدولة عبر رسم السياسة العامة للحكومة ومتابعة تنفيذها... فهذا ما يفترض أن يكون عليه دور الوزير في الأنظمة الديمقراطية أو حتى شبه الديمقراطية، ولكن الأمر مختلف في الكويت في ظل التطبيق المشوّه والقاصر لدستور الحدّ الأدنى، حيث يقتصر دور الوزراء، وتحديدا من غير الشيوخ، على إدارة وزاراتهم وتسيير شؤونها، بل أنّ صلاحياتهم في هذا النطاق الإداري المحدد تبقى خاضعة في كثير من الحالات إلى تدخلات وموافقات وتعليمات... وغير هذا فإنّ الواقع العملي يقيم فصلا واقعيا ملموسا ولكنه فصل غير دستوري بين الحكومة الفعلية صاحبة القرار السياسي المكوّنة من الرئيس ونوابه من الشيوخ الوزراء محتكري مناصب ما يُسمى “وزارات السيادة” وبين مجلس الوزراء المفترض أن يكون هو ذاته الحكومة الدستورية، وهو المجلس الذي يشارك في عضويته الوزراء الآخرون ويحضرون اجتماعاته الأسبوعية والاستثنائية للإحاطة بالقرارات المتخذة مسبقا أو بمعزل عنهم، وبذلك يتحوّل هؤلاء الوزراء إلى مجرد موظفين كبار بمسميات وزارية!
هذا هو الواقع المرّ اكتشفه مبكرا الأخ الفاضل يوسف النصف عندما شارك في عضوية مجلس الوزراء في العام 1985 مفترضا أنّ الوزارة لا تزال منصبا سياسيا مثلما كانت تجربتا المرحومين والده محمد النصف وعمه حمود النصف عندما كانا وزيرين في الستينيات والسبعينيات، وذلك قبل أن تتغيّر الحال وتتبدّل موازين القوى السياسية والاجتماعية، ويُشوّه معها التطبيق الدستوري على النحو المخلّ الجاري إتباعه، ما دفع أبا عمر إلى الإسراع نحو تقديم استقالته من مسماه الوزاري الفاقد تماما لمعناه السياسي.
إنّ وزراء اليوم والأمس من غير الشيوخ، مهما بلغت قدراتهم الشخصية فإنّهم في نهاية الأمر محكومون بمنظومة غير رسمية من العلاقة مع الحكومة الفعلية تفرض عليهم اعتبارات عليهم أن يراعوها، وتدفعهم نحو مواقف عليهم أن يقبلوها على علّاتها، وترسم لهم حدودا عليهم ألا يتجاوزوها... فدخول الوزارة ليس كالخروج منها!
 

عالم اليوم

تعليقات

اكتب تعليقك