الأزمة الأوروبية تهدد التضامن الاقتصادي الاوربي الذي ولد في غياهب التجاذبات برأي الدكتور محمد ملحم

الاقتصاد الآن

849 مشاهدات 0


يعود الحديث بنا عن ازمة الديون السيادية الاوروبية، لا شك انها الازمة الاكثر استفحالا وقوة التي تعصف بمنطقة اليورو منذ انشائه، انها ازمة ديون وليست ازمة دين او ازمة يورو، بحيث ان اوروبا بموجبها اصبحت تتصرف ككتلة اقتصادية غير متجانسة وتعيش بطريقة غير متكاملة ومتحدة ويغلب على ادائها الاقتصادي الاداء الفردي، فديون هذه المنطقة ليست بنفس الحجم ولها اسبابها المختلفة، مع ازدياد رقعة الدول المعرضة لخطر التخلف عن السداد، يؤدي في نهاية المطاف الى تهديد التضامن الاقتصادي الاوروبي الذي هو ومنذ النشأة يعاني من خطر الضياع في غياهب التجاذبات.
 
وهذا التشرذم بدا يطفو على سطح النزاعات، ولكن هذه المرة ليس بالتضامن ولكن بالتحرر، والدفع نحو النجاة.بدا القارب الاوروبي يمشي بسرعة السلحفاة وسط تسونامي اقتصادي هائج ولكن اذا كانت الولايات المتحدة قد نجت فيما سبق وسط الخروج من ازمة مثقلة بالديون والانكشاف، فهل يستطيع الاوروبيون الحفاظ على وحدتهم الاقتصادية؟
 
ان الوضع الاقتصادي في اوروبا مقلق للغاية، وهناك تخوف من ان تصبح هذه الازمة نظامية وشاملة بحيث تقود الى ركود وانهيارات اقتصادية كبيرة، فجذور هذه الازمة تمتد من عمليات الاقتراض غير المسؤولة من الاسواق المالية العالمية، الى الاختلالات الحاصلة في اقتصادات وتوازنات دول المنطقة، التي تؤدي في نهاية المطاف الى خطر السداد ثم الافلاس.
 
هذا الواقع لم يأت نتيجة سوء قرارات من قبل البنوك او عن طريق المضاربة في الاسواق المالية، او الصناعيين وغيرهم، انما هي في منهجية نموذج الامبريالية الاقتصادية التي تسبب الاضطرابات الاقتصادية والتجارية والمالية والنقدية العالمية، ام انه محاولة الهروب الى الامام، فالأنظمة الاقتصادية هي المسؤولة عن هذا الواقع نتيجة غياب الوسائل والتقنيات القادرة على اعادة تصحيح وتحفيز الاقتصاد المترهل، فالخطة التحفيزية الاميركية الاخيرة ليس لديها القدرة على انعاش الاقتصاد والنمو الأميركي لأنها تقوم على ادوات تقليدية نمطية اثبتت فشلها في تحفيز الطلب الخاص.
 
فالحفاظ على معدل فائدة يحاذي الصفر ليس بالحل المقترح لإنعاش اقتصاد، وافضل دليل على ذلك اليابان التي تحقق معدلات نمو متواضعة مع حفاظها على معدل فائدة صفر.
 
وبالتالي لا ينتظر الكثير من هذه الخطة، وهذا ما ترجمته اسواق المال بعدم الاعتقاد ان خطة كهذه تؤدي الى نتيجة مرجوة.
 
على صعيد آخر، الوضع الاقتصادي الاوروبي افضل حالا منه في اميركا، بحيث ان العجز في منطقة اليورو لا يتعدى 4.5% من الناتج المحلي الاجمالي بينما يتخطى العجز في الولايات المتحدة 8.8% من اجمالي الناتج المحلي.
 
هذا بالإضافة الى ان احتمال دخول منطقة اليورو في ركود (18%) اقل بكثير من احتمال ركود الاقتصاد الأميركي (38%) حسب تقرير صندوق النقد الدولي الصادر في سبتمبر.
 
ولكن الفرق يكمن في دينامكية التعاطي مع الازمات التي تتميز بمرونة مرتفعة في الولايات المتحدة والتي تساعد على تحقيق نمو افضل، فمشكلة الديون الاوروبية تتركز بشكل رئيسي في اربع دول: اليونان، البرتغال، ايرلندا وايطاليا.
 
على الرغم من المفاجأة السارة الآتية من ايرلندا بتحقيق معدل نمو غير متوقع 1.4%، فان احتمال انتقال عدوى اليونان (التخلف عن السداد) الى دول اخرى امر جدي، ودخول دول اخرى الى دائرة هذا المحور هو احتمال كبير نظرا لسوء ادارة الأزمة.
 
ان الأداء الاقتصادي الاوروبي يغلب عليه حاليا الطابع الفردي وهذا ما ترجمته معالجة الازمة الحالية. فدول كألمانيا لا تريد المساهمة في صناديق الدعم للدول المتعثرة او تفرض شروطا تعجيزية للمساعدة وذلك من منطلق تقييمي فردي للازمة.
 
هذا ما عكسته استقالة كبير الاقتصاديين الاوروبيين في البنك الاوروبي الالماني «ستارك» نتيجة رفضه الصارم لقيام البنك بشراء ديون اليونان.
 
فموقف «ستارك» يعكس موقف الجبهة الداخلية لالمانيا الرافض والضاغط على المستشارة ميركل المكبلة بقرارات وتعهدات اوروبية من ناحية وحسابات انتخابية داخلية اخرها خسارة معقلها في برلين اوائل هذا الشهر، على الرغم من ان الموقف الفرنسي مشجع وضاغط اكثر من غيره لان موس الازمة في ذقن بنوكه، فانه ليس افضل حال من جارته ألمانيا فالرئيس ساركوزي لايزال سجين اعتباراته الانتخابية غير القادرة على اتاحة الفرصة امامه لاتخاذ قرارات جريئة تكون على مستوى فداحة الازمة.
 
وهذا التخبط الحاصل في مواقف هاتين الدولتين المفترض ان تكونا حصاني عربة اوروبا والمنتظر منهما اقتراح الحلول، يعكس في الواقع غياب الشجاعة او الكفاءة لاتخاذ القرارات المصيرية لمعالجة وادارة الازمة.
 
هذا التشرذم دفع عددا من الدول كبولونيا والنمسا وغيرهما من الدول، التي لا تمثل وزنا اقتصاديا يذكر على الساحة الاوروبية، الى الدخول على خط الازمة واعتراضها على مسار الحلول المطروحة. اما هولندا، فإنها تقف موقف المتفرج امام هذا المشهد الدرامي.
 
هذا الاختلال البنيوي السياسي والمالي الحاصل على المستوى الاوروبي هو الذي اطال امد الازمة ودق إسفينا في العلاقة بين المستثمرين والثقة في منطقة اليورو، فكانت انعكاساته سلبية على اسواق المال التي ترجمته تقلبات حادة في الفترة الاخيرة
 
بحيث انخفضت اسهم البنوك الاوروبية المكشوفة على الديون الى مستوى قياسي مخيف لم تشهده هذه الاسواق من قبل، وهذا ما يعكس فداحة الازمة الحالية.
 
هذا الواقع دفع بعض الاقتصاديين الى المطالبة بتأميم واعادة هيكلة او رسملة هذه البنوك خشية من افلاسها.
 
هذا الوضع الضاغط اتى نتيجة غياب القرار الداعم والضامن للديون لطمأنة المستثمرين بهدف تهدئة الاسواق.
 
والسؤال: اين البنك الاوروبي من كل هذا؟ منذ بداية الازمة والبنك الاوروبي يلعب دور المنتظر للحلول الآتية من الديو الألماني/الفرنسي.
 
فالتأخير في معالجة الازمة يؤدي مع مرور الوقت الى استنزاف الاسواق وامتدادها الى دول اخرى وتطورها، وفي نهاية المطاف الى تهديد مستقبل منطقة اليورو.
 
 

الأنباء

تعليقات

اكتب تعليقك