لماذا المادة الثانية؟؟

زاوية الكتاب

كتب 1945 مشاهدات 0

د. فاطمة الشايجي


المطالبة بتغيير المادة الثانية من حين إلى آخر يعطي انطباعا أن دولة الكويت لا تعيش تحت ظل الإسلام ، رغم أن جميع مؤسساتها تستمد قوانينها من الشريعة الإسلامية . ولكن الهدف من تغيير المادة الثانية من الدستور سياسي وليس دينيا ، وظهور التيار الديني الآن ومشاركته بقوة  في الحياة السياسية هو ذريعة يستغلها البعض للحصول على السلطة، وسيتخلى عنه في اقرب فرصة، إن المادة الثانية من الدستور تنص على أن ' دين الدولة الإسلام ، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع ' ،والتنقيح المطلوب هو تأصيل دور الشريعة الإسلامية بزيادة 'ال' التعريف لكلمتي مصدر رئيسي ... وهو ما يتوجب عليه إلغاء الدستور بأكمله وليس بعض مواده. ولكن لنسلم بأن من يطالب بتغيير المادة لازال متمسكا بوجود الدستور وبناء على ذلك نناقش ما هي المواد التي لا تتناسب مع تغيير المادة الثانية.
أولا : المادة (6)' نظام الحكم في الكويت ديمقراطي, السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعا, وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين بهذا الدستور'. نحن نعلم جيدا أن الشريعة الإسلامية لا تتوافق مع مفهوم الحرية المعاصر والذي يعتبر من أهم مقومات الديمقراطية، فضلا عن أن مشكلة الحرية تزداد تعقيدا كمفهوم وكتطبيق من مجتمع إلى آخر ، وفي المجتمع الواحد من فرد إلى آخر. و يرجع ذلك إلى قناعات الأشخاص وطريقة تفكيرهم . إن رفض الإسلام لمفهوم الحرية سيؤدي في النهاية إلى رفض جميع المواد المرتبطة التي تعبر عن مختلف مقومات الحرية الشخصية مثل المادة (30 و 31 و 32 و 33 و 34 من الدستور) وحرية العقيدة (المادة 35) ، وحرية الرأي (المادة 36) وحرية الصحافة والطباعة والنشر (المادة 37)، عندما تؤكد المادة نفسها أن 'السيادة فيه للأمة مصدر السلطات'فإننا نتساءل ما المقصود بالأمة ؟هل هي عربية أم إسلامية ؟ وإذا حددت على أنها إسلامية فما هو وضع من يختلف معك في المذهب والعقيدة. وإذا سلمنا أن من يختلف معك أقلية فهل هناك مادة ستحفظ لهم حقوقهم؟ إن رفض مقوم واحد من مقومات الديمقراطية يؤدي إلى عدم تطبيق باقي مقوماتها كالمساواة والعدل ، وهو أمر يدعو إلى تنبيه الشعب الكويتي للتناقض الذي وقع فيه التيار الإسلامي، فبخوضه الانتخابات وفوزه بمقاعد في البرلمان لهو أحد التناقضات التي استخدم فيها الغاية تبرر الوسيلة وهو مبدأ يتنافى مع ديننا الحنيف.
ثانيا: المادة (٢٩) تشير إلى أن'الناس سواسية في الكرامة الإنسانية, وهم متساوون لدي القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين' من الناحية القانونية لا يوجد تمييز، أما من الناحية الفعلية فإننا نجد أن هناك تمييزا. ولنقف هنا عند ' لا تمييز بسبب الجنس ' أي أن المرأة والرجل لهما نفس الحقوق وعليهما نفس الواجبات، فالمذكرة التفسيرية للدستور وضحت أن المادة تنص 'على مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات بصفة عامة .
وما يهمنا في هذا النص من المذكرة التفسيرية هو المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات بصفة عامة. ولكن ما تشهده الساحة الآن وبصفة خاصة بعد نتائج انتخابات ٢٠١٢ أننا لا نجد لهذه المادة وجود بل هناك أرض خصبة لأسلمة القوانين التي ستلغي كلمة الجنس من الدستور كي لا يكون للمرأة حقوقا سياسية ومن أهمها مشاركتها في البرلمان. فحديث الرسول صلى الله عليه وسلم {لن يفلح قومٌ ولَّوا أمرَهم امرأة }، رواه البخاري . تم الاستناد عليه من البعض ليمنع المرأة من دخول المجلس ولكنهم لم يمنعوها من اختيار مرشح حتى وإن كان اختيارها مبنيا على نفس الأسس التي منعتها دينيا من دخوله، ورغم أن المرأة في الإسلام تعمل داعية إلا أنها حرمت من حقها في تمثيل الأمة لتشرع قوانين تختص بالحياة الدنيوية كالتعليم والإسكان والصحة والتجارة بالمجلس النيابي. وأتساءل هنا هل ستمنع المرأة من العمل كداعية للإسلام ؟ فالدعوة للإسلام تحتاج إلى من هو يعرف بالشريعة الإسلامية، ويعرف كيف يغرسها في الآخر، ليعرف كيف يسير حياته وفقا للشريعة الإسلامية وهي وظيفة أعظم من العمل النيابي للمرأة .
ثالثا: المادة (4) و هي بيت القصيد في التغيير، وعدم المطالبة بتغييرها علنا لا يعني أنها بعيدة عن أنظار المنتفعين. والنهج المتبع في تغيير المادة يبدأ بعدم جواز توريث الحكم في الدول الإسلامية، وشأن إثبات عدم التوريث يقع على عاتق الإسلاميين برجوعهم إلى نصوص دينية تعزز من فكرة عدم التوريث . وبعد ذلك  سيظهر لنا كيف يمكن إقصاء التيار الديني من المشاركة السياسية ويبدأ الصراع بينهم وبين المنتفعين من تغيير هذه المادة.
ولكن على الإسلاميين قبل أن ينظروا في المادة الرابعة يجب أن يضعوا في اعتبارهم  أمرين قد يعززان من وجودهم في الحياة السياسية ،هما فتح ملفات مهمة منها سن قانون الوحدة الوطنية ، وفتح ملف مزدوجي الجنسية وذلك من منطلق أمرين الأول  تحريم الانتفاع من دولتين والثاني تعزيز ملف الوحدة الوطنية بتحديد ولاء الأفراد لدولة معينة.  

الآن-رأي: د.فاطمة الشايجي

تعليقات

اكتب تعليقك