كلمة حق أريد بها باطل

زاوية الكتاب

كتب 3134 مشاهدات 0


 إن ما حدث من تطورات على الساحة السياسية في دولة الكويت وكان أخرها حكم المحكمة الدستورية بإبطال عملية انتخابات مجلس الأمة 2012 برمتها وبعدم صحة عضوية من فاز فيها لبطلان حل مجلس الأمة 2009 وبطلان دعوى الناخبين لانتخاب مجلس جديد، وكانت الجزئية المدهشة والغير متوقعة من الحكم والتي لا تخطر على بال، وهي أن يستعيد الحكم المجلس المنحل دستوريته بقوة الدستور كأن الحل لم يكن.
في حقيقة الأمر هذا الحكم سوف يجعلنا نعيد النظر كثيرا في جميع الأحداث الماضية والطريقة التي أديرت بها البلاد في هذه الفترة، ويجعلنا أيضا نطيل النظر فيما سوف يترتب على هذا الحكم من الأثار والنتائج التي سوف تستدرج البلاد إلى منعطف غير مسبوق وللأسف باسم القضاء.
وقبل تكوين أي استنتاج أود أن أنوه لعدة نقاط تساعدنا في رؤية المشهد كاملا:

أولا: يجب أن نعلم جيدا أن المحكمة الدستورية من أهم محاكم الجهاز القضائي، ولها دورها الرقابي على دستورية القوانين واللوائح، وهي الحارس الأمين على مبدأ سمو الدستور الذي يقتضي إخضاع جميع التشريعات التنفيذية إلى الرقابة الدستورية، والقضاء الدستوري يتناول قضايا عامة ومجردة، فلا يخوض في تفاصيل الخصومة كما هو الحال في القضاء العادي. ولكن يجب أن نعلم جيدا أيضا أن من أهم مبادئ الفصل بين السلطات الثلاث، أنه لا يجوز استئثار أي سلطة من السلطات الثلاث (التنفيذية ، التشريعية ، القضائية) بصلاحيات مطلقة في تنفيذها للمهام الموكلة لها، بمعنى أن يكون هناك ضمانا لاستبعاد أي فرصة للاحتكار المطلق للسلطة حتى لا يتم الاستبداد باستخدام السلطة.
ومن أهم المبادئ للفصل بين السلطات، أنه لا بد من وجود رقابة متبادلة وفعالة بين السلطات الثلاث، بحيث تمارس كل منها صلاحياتها تحت رقابة السلطات الأخرى، ولضمان التزام كل سلطة بحدودها.
إذن الرقابة المتبادلة بين السلطات من صميم الفصل بين السلطات وما رأيناه من حكم المحكمة الدستورية يمثل نوع من أنواع الاستبداد السلطوي ولا يفهم أحد من كلامي أني أشكك في القضاء، فأحكام القضاء أمر واقع ولكن أيضا التوازن بين السلطات مطلوب، والرقابة المتبادلة بين السلطات مطلوبة، وكيف يحدث التوازن والرقابة تمارس من طرف واحد لديه سلطة شبه مطلقة، إن هذا يعتبر خلل في المنظمة السياسية الكويتية، ويجب أن يتم تدارك هذا الخلل الذي يسمح لسلطة أن تستبد باسم القانون.
ولأن الفصل المقصود بين السلطات هو الفصل المتوازن في توزيع الصلاحيات والمسؤوليات، مع قيام قدر من التعاون فيما بينها لتنفيذ وظائفها في توافق وانسجام وليس في تضارب واستخدام الصلاحيات بشكل متضارب يثير الشك والريبة وفي توقيت يدل على أنها أحكام سياسية وليست قضائية بحته، هذه نقطة مهمة جدا يجب أن نأخذها في الاعتبار قبل الشروع في تفسير هذا الحكم.
ثانيا: طبيعة العلاقة السائدة بين السلطات الثلاث في النظام السياسي الكويتي اتضحت جلية وكشفها هذا الحكم حيث أنه يوجد العلاقة علاقة خطيرة مبنية على التمييز بين السلطات الثلاث في النظام السياسي الكويتي، فنجد مثلا أن السبب الأول الذي بني عليه حكم المحكمة الدستورية يشوبه التمييز في تطبيق القانون والتنازل عن مبدأ المساواة في الرقابة على جميع السلطات.
حيث أن المحكمة بنت حكمها على سبب يظهر تناقضها في الأصل، لأنه كان أولى بها أن تحكم أيضا بعدم دستورية التشكيل الوزاري الجديد هؤلاء الوزراء الذين هم أنفسهم يعتبرون مستقيلين بنص الدستور لأن رئيس الوزراء السابق قدم استقالته وذلك يتضمن استقالة جميع الوزراء الذين تم الاستعانة بهم في الوزارة الجديدة.
وهذا يوضح أن المحكمة أخذت بإجراءات شكلية بعيدة عن جوهر القانون المبني على إقامة العدل وبعيد عن إرادة الشعب الذي هو صاحب السلطة الأصيل ويمكن أن يمارس جميع الصلاحيات في إطار شرعي.
لأننا لو افترضنا أن كل مطالبة شعبية تمثل أغلبية الشعب تطالب باستقالة حكومة لفسادها وبعد استقالتها يتم الاستعانة بها مرة أخرى في تكوين الحكومة الجديدة فما قيمة الإرادة الشعبية وما قيمة المطالبة بالإطاحة بالفاسدين.
المحكمة ركزت على شكل الإجراءات التي تمت بها الإرادة الشعبية ولكنها تناست جوهر القانون وجوهر المطالب لأن الوزارة الجديدة الحالية هي تقريبا معظم الوزارة السابقة وهذا منافي للدستور ولإرادة الشعب.
ولكن المحكمة نفذت الغرض الحقيقي من الحكم وهو التمهيد للإطاحة بالمجلس الجديد دون تحقيق مراقبة حقيقية على السلطة التنفيذية التي أخطأت في إجراءاتها الشكلية، والتي تعتبر غير دستورية وهذا يدل على الاستبداد بالسلطة والتمييز في التعامل مع السلطات الأخرى من قبل السلطة القضائية، حيث كان الهدف من الحكم ليس مراقبة دستورية القوانين واللوائح والقرارات على السلطات الأخرى وهذا هو عملها الأصيل بل كان الهدف حل المجلس الجديد تمهيدا لعودة المجلس القديم.
طبعا هذه نقطة في غاية الخطورة ويجب أن يعيها الشعب الكويتي جيدا ويجب أن يكون هناك رقابة حقيقية على جميع السلطات لبعضها البعض وهذا غائب عن النظام السياسي الكويتي لذلك وجدنا هذا الخلل في التعامل بين السلطات، والسؤال هنا  كيف يكون السبب في بطلان الانتخابات ناتج عن عدم دستورية الوزارة وتظل الوزارة كما هي هل هذا يدل على الرقابة التي تمارسها السلطة القضائية على طرف واحد فقط، بل تعدت المحكمة أكثر من ذلك حيث أقرت عودة المجلس السابق بقوة الدستور الوقت الذي تركت فيه وزارة لم تستقيل باستقالة رئيس الوزراء وبقرار غير دستوري.
ثالثا: يجب أن ننظر لهذا الحكم في سياق عام، ولماذا في سياق عام لأن ما مرت به الكويت في الفترة السابقة شيء غير مسبوق في تاريخ الكويتي ويعتبر حالة استثنائية، فهل يعقل ان تكون هناك احتجاجات شعبية وإرادة شعبية جارفة انطلقت بمطالب مشروعة وعبرت عن رأيها بطرق مشروعة وتم الاستجابة إلى مطالبها ثم يتم الالتفاف بمجموعة من الإجراءات المضادة التي كان آخرها حكم قضائي.
كيف يتم الالتفاف على إرادة الشعب وبطريقة ضرب السلطة التشريعية في السلطة القضائية بعدما قال الشعب الكويتي كلمته، لا يوجد هناك أدنى شك على ان الحركة الإصلاحية الكويتية والإرادة الشعبية كانت إرادة صادقة ونابعة من شعب حر بمطالب مشروعة فكيف يتم انهيار هذه المطالب في هذا التوقيت.
لماذا لم تأخذ المحكمة الدستورية بالاستثناءات التي طرأت على الساحة الكويتية لقد قدم رئيس الوزراء السابق استقالته بناء على ضغط شعبي وهذا هو الاستثناء ضغط شعبي وطلب شعبي والشعب هو مصدر الشرعية ولم يقدم استقالته بناء على رغبته الخاصة.
ولا يجب أن ننسى أن مجلس الأمة الحالي يعتبر أكثر مجلس يعبر عن إرادة الشعب لأنه تزامن مع إرادة شعبية جارفة مطالبة بتحقيق الإصلاح وحرص تام على الاختيار المناسب لذلك رأينا اكتساح المعارضة وحصولهم على الأغلبية البرلمانية.
رابعا: أن جميع السلطات متساوية وجميعها تستمد قوتها من الدستور وبما أن السلطة التشريعية وهي البرلمان موجود بالانتخاب المباشر الحر لذلك هو يعتبر اقوى السلطات في دولة الكويت لأنه يعتمد على إرادة الشعب والشعب هو من يضع الدستور وهو من يغير الدستور إذا شاء واجتمعت إرادته على ذلك، ولكن كيف تضع المحكمة الدستورية مجلس الأمة تحت رحمة أخطاء السلطة التنفيذية التي هي تعتبر أقل منه لأنها معينة والمجلس منتخب.
لا يمكن أن نضع مجلس الأمة وهو المنتخب مباشرة من الشعب والمعبر الوحيد عن إرادته في دولة الكويت رهن خطأ السلطة التنفيذية الشكلي وتحت رقابة السلطة القضائية التي تستخدم صلاحياتها بطريقة خطا وتستخدم السلطة استخدام مفرض يؤدي إلى الاستبداد بالسلطة.
هل هذا توازن بين السلطات هل هذا تكامل بين السلطات وهل هذا فصل بين السلطات.
خامسا: هناك نوع جديد من الانقلاب على إرادة الشعب وهو استخدام القضاء استخدام سياسي وقد حدث ذلك مؤخرا في مصر فبعد أن شرع مجلس الشعب المصري الكثير من القوانين التي لا تتناسب مع القائمين على إدارة شئون البلاد في هذا الوقت استغلت هذه الإدارة القضاء لضرب السلطة التشريعية في مقتل وهذا ما حدث في الكويت بالفعل حيث أن هذا الحكم في هذا التوقيت لا يدل على أي نوع من الرقابة بل يدل على كارثة وأزمات لا حصر لها ولا عدة.
سادسا: لا ينبغي أن نصاب بالإحباط من جراء هذه الأحكام بالعكس هذه الأخطاء الواضحة والفجة من قبل السلطة تعطيني الأمل لأن الشعب عندما يكتشف الأخطاء الحقيقية يستطيع حلها بشكل جذري وحقيقي والفائدة مما حدث هي أن نأخذ بعين الاعتبار هذه الاخطاء في عملية الإصلاح القادمة وأن نجعلها من أولويات اهتمامنا وهذا يتطلب مننا أن نجري التعديلات الحقيقية التي تجنبا حدوث مثل ذلك مستقبلا.
وأنا أتذكر أني تكلمت كثيرا عن الخطأ الذي وقعت فيه الحركة الإصلاحية وهي قبولها حكومة جديدة من رحم الحكومة الفاسدة ولقد تبين الأمر أخيرا لقد وجدت هذه الحكومة من رحم أخرى حتى يتم الإطاحة بإرادة الشعب ويتم الالتفاف على مطالبة ويتم حل المجلس والأن قد تبين لنا جميع الاخطاء التي يمكن أن نتجنبها وأن نتفادى جميع السلبيات والمخرج الوحيد أمامنا الآن هو الحكومة المنتخبة.
سابعا: ما هو الحل الجذري لهذه الأزمة، إن اعتماد المجتمع الكويتي على البرلمان فقط لن يتيح لنا نظام ديمقراطي متوازن وخصوصا في ظل هذه الملابسات فيجب أن يكون هناك اختيار للإرادة السياسية للشعب وأن يكون الشعب هو من يختار حكومته وهو من يختار نوابه فجميعنا علمنا نتيجة اعتمادنا التام على البرلمان الذي يسهل حله في لحظة.
فيجب أن يلتف الجميع مرة أخرى من أجل تحقيق مبادئ المبادئ العامة التي نادينا بها من قبل ومن أجل تحقيق الإصلاح.

مشعل مالك محمد الصباح
 

كتب: مشعل مالك الصباح

تعليقات

اكتب تعليقك