المحرك الاقتصادي للربيع الإيراني بقلم محمد كركوتي

الاقتصاد الآن

813 مشاهدات 0

صورة ارشيفية

على طريقة تابعه سفاح سورية بشار الأسد، أمر مرشد ''الثورة'' الإيرانية علي خامنئي القائمين على إعلام بلاده، بعدم تناول الأزمة الاقتصادية التي يعيشها الإيرانيون، ولا ينقص هذا الإعلام إلّا أن يعلن عن ''حرب كونية'' أُطلقت على إيران، كمرحلة لاحقة لـ ''الحرب الاقتصادية'' التي يجهد خامنئي ومعه أحمدي نجاد، لإقناع نفسيهما أولاً بأن لا دور لهما فيها، قبل إقناع الشعب الإيراني. ولكن خامنئي، أخفق (في سياق إخفاقاته المتدحرجة) ليس فقط لأنه طبق ''استراتيجية'' الأسد الإعلامية التي تحمل فشلها معها، بل لأنه نسي، أن المظاهرات والاحتجاجات الشعبية الصادقة والمحقة، تُشغِل معها وسيلتها الإعلامية الخاصة. ووجود وسائل إعلامية أخرى، هو في الواقع تحصيل حاصل. والاحتجاجات الأخيرة في طهران ونيسابور وغيرهما من المناطق الإيرانية، بلغ صوتها كل الأرجاء، خصوصاً المحلية منها.   في الأفق بوادر ربيع إيراني. ليس مهماً إذا ما نقلته وسائل الإعلام المحلية أم لم تنقله. ولهذا ''الربيع'' محرك اقتصادي هذه المرة، بدلاً من ذاك ''المحرك'' السياسي الذي كاد يستكمل ربيعاً كاملاً في عام 2009، لولا فظاعة الرد الهمجي لنظام الملالي عليه. تآكل العملة الوطنية، طفى على السطح حالياً، لكن الصورة العامة هي على الشكل التالي: ارتفاع رهيب لمعدلات البطالة، ونقص مخيف في المواد الغذائية، وارتفاع كبير لمستويات الفقر، ومعه ارتفاع أكبر لعدد الجوعى، وارتفاع متجدد للتضخم، وتأخر متكرر في صرف رواتب الموظفين، بمن فيهم أولئك الذين يعملون في الوكالة الذرية الوطنية! وهناك أيضاً.. الواردات تنخفض ومعها الصادرات. ولأن العملة الوطنية (أي عملة) لها روابطها المباشرة والرمزية بالسيادة، فإنها تبقى ''بطلة'' الخراب الاقتصادي، وفي أحسن الأحوال ''أيقونة'' الأزمة الاقتصادية في البلاد.   لا يشبه الريال الإيراني بانهياره المتجدد حالياً، سوى الليرة السورية. وهذا التشابه ينبع من تشابه النظامين الحاكمين في كل من إيران وسورية، واندماجهما في تحالف شيطاني مصيري، ضد الواقع وحتمية التغيير. تحالف لا يستمر إلا بصناعة الأعداء على مدار الساعة، لا شيء، سوى لتبرير وجوده، وتأمين أدوات تسويقية له. ومن أهم الآثار التي يتركها ترنح العملة الإيرانية، الانهيار النفسي لدى ''قادة'' البلاد وشعبها. ولأن الأمر يخرج حالياً من أيدي خامنئي ونجاد ونظامهما، وقد صبا جام غضبهما على من؟ على الصرافيين، على الرغم من أنهم يعملون وفق الحقائق الاقتصادية الموجودة على الأرض، لا استناداً إلى التمنيات و''العنتريات'' الصوتية والدعوات، بما في ذلك تلك التي تستعجل عودة المهدي المفقود. فلم يتبق أمام خامنئي سوى الإعلان عن مكافأة كبيرة لمن يعثر عليه! وأخرى أقل لمن يتقدم بمعلومات تساعد بالوصول إليه! ولا بأس من ثالثة، لمن يعرف رقمه الهاتفي ويرسل له ''مسج'' يطلب فيها تدخله لرفع قيمة الريال الإيراني، خصوصاً بعدما ثبت عدم صحة المعلومات التي أفادت بأن خامنئي نفسه يتصل بالمهدي عبر المحمول!   تكلف العقوبات الغربية المفروضة على إيران اقتصاد البلاد، قرابة الـ 5 مليارات دولار أمريكي شهرياً. وهي تشكل العامل الأول لتردي هذا الاقتصاد، بما في ذلك التراجع المخيف للعملة الوطنية. ولولا ''استراتيجية'' التهريب والاحتيال الاقتصادية التي يمارسها النظام الإيراني، لتفكك الاقتصاد منذ عدة أشهر. لكن هذا النوع من ''الاستراتيجيات'' لا استدامة له، بصرف النظر عن مدى النتائج المساعدة التي يحققها. يضاف إلى ذلك، أن ما نتج عن هذا الحراك ''السري'' المفضوح، استهلكته عمليات الإنقاذ الإيرانية لبشار الأسد، الذي نفحه خامنئي بأكثر من 10 مليارات دولار أمريكي على مدى أقل من عام واحد. وكان بإمكان طهران أن تحافظ على الهدوء الشعبي في إيران (مدة أطول)، فيما لو وجهت هذه المليارات إلى قطاعات محلية حيوية. لكن خامنئي، وجد أنه ينبغي حماية ''الاستثمارات'' الشيطانية التي خصصتها ''الثورة'' الإيرانية لنظامي الأسد (أباً وابناً)، عن طريق الضخ المستمر فيها، خصوصاً عندما تكون هناك ثورة شعبية عارمة في سورية، لن تتراجع عن هدفها في سحق الأسد ونظامه إلى الأبد. ولأنه لا توجد عوائد لـ ''الاستثمارات الشيطانية''، فينبغي مواصلة الإنفاق عليها لإبقائها حية.   كان طبيعياً أن تُسرع هذه ''الاستراتيجية'' وصول الآثار المدمرة إلى الشعب الإيراني، حتى في ظل الجهود البائسة للحكومة، الهادفة إلى طمأنة شعبها بأن احتياطيها من القطع الأجنبي يبلغ 75 مليار دولار. فلم يوقف هذا الاحتياطي، التراجع المهين للعملة، ولم يصد المحتجين الذين احتشدوا في أسواق طهران، عن الخروج مطالبين بعملة تضمن ما يملكونه، وتوفر القيم المالية لما يشترونه، وتكفل لهم الحصول على ما يحتاجون إليه من أساسيات لا كماليات. الذي حدث، أن الإيرانيين الذين يملكون المال (وهم الأقلية)، سحبوا أموالهم من المصارف، وحولوها لعملات ثابتة وضامنة، بينما وجد أولئك الذين يعيشون على الكفاف (وهم الأغلبية)، أن بإمكانهم أن يصنعوا بسرعة ''محركاً'' اقتصادياً لـ ''ربيع'' محلي حتى في عز الخريف.

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك