أزمتنا سببها العودة للانفراد بالحكم.. النيباري مؤكداً

زاوية الكتاب

كتب 1885 مشاهدات 0


القبس

في عيد الدستور نطالب اللى شبكنا يخنقنا

عبد الله النيباري

 

تحتفل الكويت يوم الأحد المقبل الموافق 2012/11/11 بعيد الدستور، وهي الوثيقة التاريخية التي توصل إليها المجتمع الكويتي بالتوافق على تقنين المشاركة الشعبية، التي طالب بها الكويتيون منذ تولي الشيخ أحمد الجابر الصباح مسند الامارة.

دستور الكويت لعام 1962 وضع الأسس، بل وأضاف خارطة طريق للتطور الديموقراطي وإرساء الحكم الرشيد، على أساس الحرية لجميع المواطنين وبناء دولة القانون والمؤسسات لادارة شؤون الناس على أساس العدل والمساواة، لخصها المغفور له عبدالله السالم الصباح بكلمته الافتتاحية بقوله «رغبة في استكمال أسباب الحكم الديموقراطي لوطننا العزيز وإيمانا بدور هذا الوطن في ركب القومية العربية وخدمة السلام العالمي والحضارة الانسانية. وسعيا نحو مستقبل أفضل ينعم فيه الوطن بمزيد من الرفاهية والمكانة الدولية، ويفيء على المواطنين بمزيد كذلك من الحرية السياسية، والمساواة والعدالة الاجتماعية».

ما أروعها من كلمات ترسي قواعد الحاضر وترسم خارطة الطريق للتطور نحو مستقبل زاهر في مجتمع يتقدم ويحفظ حقوق أبنائه على أساس المواطنة لا أي انتماء آخر.

وكان بذلك دستور الكويت من أهم التطورات السياسية والاجتماعية، ليس في الجزيرة العربية فقط، وإنما في الوطن العربي، على مدى اتساعه، بل ربما في الدول النامية.

 

تعثر المسار

لكن هل كان مسار المجتمع الكويتي منذ صدور تلك الوثيقة تقدم بخطوات وفق الأسس التي رسمها ذلك الدستور؟

الجواب طبعا لا.

تعثر المسار منذ إصدار قوانين تصادر الحريات عام 1964وتزوير الانتخابات عام 1967 وحل المجلس وتعليق الدستور عام 1976 ومرة أخرى 1986 ومحاولة تعديل الدستور عام 1981، ثم تعديله عام 1990 والمجيء بما سمي بالمجلس الوطني.

واليوم هنالك من يطالب صراحة بقوله «اللي شبكنا يخلصنا» أي حل مجلس الأمة حلا غير دستوري، أي تعليق المادة 107 من الدستور، وهذا يعني تعليق الدستور والعودة للحكم الفردي أي لحكم الشيوخ.

طبعا، لكل إنسان رأيه أيّاً كان هذا حقه، ولكن «اللي شبكنا يخلصنا» وفقا لهذا الاقتراح سيؤدي إلى «اللي شبكنا يخنقنا».

ولا أحد في هذه الدنيا، بعد التطورات التي مرت بها كل المجتمعات للحصول على الحرية، كل الحريات وحق المشاركة في صنع القرار وإدارة الشأن العام يقبل منه مطالبة بقية مواطنيه القبول بالعودة للحكم الفردي او حكم العائلة أو حكم النخبة، أيا كانت مدينة أرستقراطية أو أوتوقراطية أو عسكرية أو أي شكل من أشكال تهميش إرادة الشعب وحقه.

إذا كان هنالك طريق أفضل لادارة شؤون المجتمعات بغير الديموقراطية التي قال عنها تشرتشل إنها أقل الأنظمة سوءاً لادارة المجتمعات فليذكرها.

 انفراد

الأزمة التي نحن فيها سببها الرئيسي العودة للانفراد بصنع القرار أي الانفراد بالحكم من خلال المجيء بمجلس صديق للسلطة، أي مطيع للسلطة من خلال تعديل آلية الانتخاب، وهو تعديل يرقى إلى تعديل في الدستور، إذ لا يجوز ان تضع السلطة التنفيذية منفردة آلية إنتاج المجلس التشريعي الذي من أهم وظائفه بعد التشريع هو مراقبة الحكومة، بل إن الوظيفة الأخيرة هي الأساس، لانه في المجالس التي تشكل الحكومة، أي السلطة التنفيذية من الأغلبية في البرلمان يكون، أهم وظيفة للبرلمان من خلال الأقلية، وهي المعارضة هو الرقابة لأن وظيفة التشريع، وهي إصدار القوانين مضمونة للحكومة، لانها تملك الأغلبية، ووظيفة المعارضة هي إيضاح المخالفات والأخطاء وإلقاء الضوء على السياسات الخاطئة أو الخطرة لكي يمارس المواطنون الضغوط لتغيير سياسة الحكومة أو اسقاطها في انتخابات لاحقة، وهذا ما حصل في الكثير من الدول، كالولايات المتحدة وبريطانيا وأسبانيا وإيطاليا واليونان، وكلها تواجه فيها الحكومات ضغوطا لتعديل سياساتها الاقتصادية والمالية أو إسقاطها.

 أزمات

اليوم في الكويت نواجه ليس أزمة ولكن أزمات مستعصية ومنها:

1 - أزمة سوء الادارة

2 - أزمة تفشي الفساد بصورة مريعة من فساد كبير بالمليارات إلى فساد لموظف صغير بكارت تلفون.

3 - أزمة نظام سياسي، حكومة وسلطة ومعارضة وأعضاء مجلس.

ولكن هذه الأزمات التي كنا ننتظر إصلاحها من خلال تصحيح سلوكنا وممارساتنا السياسية كسلطة وحكومة ومجلس أمة وناخبين، مازالت مستعصية.

فعلى المدى القصير نواجه أزمة الصدام واستخدام العصي الأمنية والعنف في مواجهة قطاعات من الشعب، معظمهم من الشباب يطالبون بإصلاح سياسي وإداري حقيقي، في إطار الدستور، أي إصلاح في النظام وليس تغيير النظام.

هذه المرحلة قد تطول ربما أشهر أو سنوات، كما كانت الحال في الفترة الممتدة من 1967 إلى 1992.

قد تكون تكاليفها كبيرة من ضحايا ومساجين سياسيين، وغير ذلك مما مرت به الشعوب، كما هي الحال في البحرين، ولكن يوما ما ستنتهي.

 انقسام اجتماعي

هنالك أزمة ثانية أخطر، وهي أزمة الانقسام الاجتماعي إلى قبائل (أو كما يحلو لبعضهم بدو، وهم لم يعودوا بدوا، كلهم موظفو حكومة)، وإلى طوائف ومذاهب؛ سنة وشيعة، وانقسام سياسي بين تيارات الاسلام السياسي التي تتبنى مرجعية ماضويه تتلحف بتفسير متطرف للدين، والكثير يقولون إنه لا علاقة له بالدين أو الشرع، تيارات يميل إلى الإصلاح السياسي، يطلق عليها وفق المناسبة تيارات وطنية أو تقدمية أو راديكالية أو ليبرالية، والتصنيف على ذوق المستخدم.

هذا التركيب للقوى السياسية واحد من أسباب تعثر المسيرة الديموقراطية الدستورية للكويت.

كان المناخ في الكويت منذ أوائل القرن الماضي يسوده تيار سياسي إصلاحي على وجه العموم، تطور أحيانا إلى سمة راديكالية تطالب بتغيير جذري، كما حدث في انتفاضة المجلس التشريعي عام 1938، وكذلك في عقود الخمسينات والستينات والسبعينات، وأحيانا تأخذ الطابع الاصلاحي الهادئ، مما يعكس ميول المجتمع الكويتي على طريقة «الهون أبرك ما يكون»، وليس بالضرورة أن يكون ذلك هو الأصح كفلسفة سياسية.

تاريخ السلطة في الميدان السياسي هو aضد التطور الديموقراطي، وضد الالتزام بإطار الدستور، وخصوصاً بعد وفاة الشيخ عبد الله السالم.

 انحياز

وانحازت السلطة أو استخدمت أقساما من المكونات الاجتماعية الموالية لها، في اعاقة التطور الديموقراطي، واستخدام إمكانية الدولة لشراء الولاء السياسي بأشكال مختلفة، سواء مباشرة بالمال السياسي، أو بمنافع الدولة، توظيف ونقل وترقية وعلاج في الخارج، والتساهل في المخالفات والقصور في أداء الواجب، حتى لو كان غياباً عن الدوام الوظيفي.

التركيب الاجتماعي الفئوي والطائفي والمذهبي تعزز، بنمو ظاهرة تيارات الاسلام السياسي على جانبي الطيف السني والشيعي، كل ينادي بمرجعية خاصة به، سواء كانت مرشد الاخوان، أو أئمة السلف، أو ولاية الفقيه.

هذا الأمر زاد الحالة تعقيدا، فصارت الممارسة السياسية، بما فيها الانتخابات، على أساس الانتماء، قبلياً أو مذهبياً أو أسرياً، وليس على أساس الرؤية السياسية، والمواقف تجاه قضايا الشعب والبلد.

ويزداد الامر تعقيداً في حالة نشوء أزمات داخلية أو خارجية، كما حدث في قضية تأبين عماد مغنية، وكما حدث عندما انفجرت قضية البحرين، ثم سوريا، فالمناصرون للمطالب الشعبية في سوريا ضد هذه المطالب، ومع النظام الحاكم، والمناصرون للمطالب الشعبية في البحرين ضد المطالب نفسها الشعبية في سوريا، ومع النظام الحاكم.

انقسام التيار الوطني

الذي استجد في المشهد الحالي للازمة هو الانقسام في ما اتفق على تسميته بالتيار الاصلاحي، أو التيار الوطني، سواء المنخرطون في تنظيمات، كالمنبر الديموقراطي أو التحالف الديموقراطي أو أي تنظيمات أخرى، والتنظيمات عموما لا تشكل أحجاما كبيرة، لكن الأكبر في التيار الاصلاحي الوطني هم مواطنون يؤيدون هذا التنظيم أو ذاك، أو هذا المرشح في انتخابات أو ذاك من دون التزام لتنظيم معين، وهذا هو التيار الواسع، وهو ما تتميز به الكويت، لأنه له جذور تاريخية فيما يمكن أن يسمى بالحركة الوطنية أو التيار الوطني، والتيار يعني مواطنين لهم توجه متقارب ازاء القضايا الوطنية من دون أن يكونوا ملتزمين بأي عمل أو انتماء منظم.

ولكن تاريخيا كان هذا التيار الاصلاحي الوطني يتبنى فكرا تقدميا إصلاحيا وطنيا يؤمن بالدستور والتمسك به، مع إصلاح الإدارة وضد الفساد، ومع اقامة علاقات حسنة وايجابية مع الجوار، ومع العالم، وعلى الأخص في الاطار الخليجي والعربي.

هذا التيار، وهو الذي قاد وأنتج الدستور والديموقراطية وتمسك بإعادتهما اذا صودرا، ومتمسك بميثاق مؤتمر جدة ويتطلع إلى تنمية اقتصادية ونهضة علمية واقرار حقيقي للمواطنة والغاء التمييز، وينشد الوحدة الوطنية.

 

شرخ

هذا التيار اليوم وصل إليه الشرخ، وأنا لا أتحدث عن التنظيمات، المنبر أو غيره، وإنما أتحدث عن هذا التيار الواسع بما فيه التنظيمات، فهو يعاني من شرخ يتعمق وليس من السهل معالجته في المدى القريب.

كانت الآمال في تطور البلد مرهونة بتطور هذا التيار، وعيا وثقافة وتنظيما وانتاج مواقف دائما مبنية على تشخيص موضوعي لواقع المجتمع وكيفية تحقيق آماله وتطلعاته ومطالبه وفقا لمعطيات المرحلة التي يمر بها.

الأزمة الحالية لهذا التيار هي أزمة ثقافة وفكر وتغلب العاطفة وردود الفعل على إعمال العقل وإعلاء الحكمة.

 ردة فعل

أصبحنا نبني مواقفنا كرد فعل لمن آساء بخطابه السياسي الهابط وضجر من صراخ البعض وتطاولهم على الآخرين، أو خوفا من سيطرة مكون اجتماعي معين على المشهد السياسي، فالحضر بسنتهم وشيعتهم يخافون من هيمنة القبائل، وخوف الشيعة أكبر، والقبائل أو أبناؤها ترسخ لديهم مفهوم أو فكر بأن الحضر اما تجار فاسدون استولوا على أموال الدولة وهمهم استمرار حالة النهب، وأما بقية الحضر فهم توابع للتجار.

طبعاً، أكيد يوجد تجار فاسدون وكذلك أبناء قبائل أو بدو فاسدون، أو القول إن الحضر بمن فيهم الجماعات الوطنية هم تابعون للتجار، فهذا قول سقيم، وإذا صح بعضه فأغلبه جهل وتعصب.

الإشكالية في أن هذا الانقسام في الثقافة والفكر، وهما عماد الانسان في قدرته على تقدير المواقف، عامل مستجد في الكويت بحجمه الحالي، يضاف إليه الآن ما يشاع عن مخطط الإخوان والسلف وتابيعهم، خصوصاً أن عددا لا بأس به من النواب الذين نجحوا على أساس قبلي هم إما أعضاء في هذه التيارات أو مسايرون لها من دون قناعة أصيلة.

موجة

الآن وصلت الموجه ليس فقط الى إدانة مواقف «الإخوان» أو السلف أو التيارات الدينية أو الأغلبية البرلمانية المعارضة، ولكن الى كل من يذكرونهم بشيء من الاشادة.

فإذا استندوا في تأييد مواقف لهم، أي للاخوان أو السلف، كالاستناد الى مقال أو تصريح من د. أحمد الخطيب أو عبدالله النيباري، أصبح الخطيب والنيباري مدانين لأنهما ذكراهم بشيء من الايجابية، نسوا أو تناسوا أن أكثر الأشخاص الذين حاربهم «الإخوان» والسلف هم الخطيب والنيباري وتيارهما، ونسوا أو غاب عنهم أن أكثر من تصدى لطروحات وأفكار ومواقف «الإخوان» والسلف هو الخطيب والنيباري، وأنا لا أتحدث عن مواقف سابقة كموقف «الإخوان» والسلف في حل مجلس 1976 أو انتخابات 1981 ومجلس 1992، وإنما أتحدث عن مواقف حديثة برزت منذ بداية الأزمة الحالية. أشير هنا كتذكير الى انه عندما فاز مرشح «الإخوان» لأول مرة في الروضة على د. أحمد الخطيب في انتخابات 1981 فوجئ أهل الروضة بأكبر قطب عقاروتي من الموالين الكبار للسلطة حضر للروضة واحتضن مرشح «الإخوان» الفائز نكاية وفرحا بسقوط الدكتور الخطيب.

 قصص كثيرة

والقصص من هذا النوع كثيرة، ولكن أود أن أقول للذين يلوموننا خطأ بأننا أصبحنا تبعا للاخوان أو غيرهم، من الذي استخدم الإخوان ضد الجماعات الوطنية؟ ومن الذي أعطى السلف 40 ألف متر مربع في الرابية بعد إغلاق نادي الاستقلال؟ ومن الذي سمح لهم بفتح الفروع في كل المناطق؟ بل من الذي أعطاهم مدارس حكومية كإحدى المدارس في الشامية للفرع النسائي لجميعة الإصلاح، في الوقت الذي تحرم السلطة إعادة نادي الاستقلال لاصحابه؟!

ثم من الذي فتح لهم بيت التمويل وكلية الشريعة التي تخرج كوادرهم، وهيئة استكمال تطبيق الشريعة؟ ومن سلمهم وزارة الاوقاف وهيئة الوقف، وبيت الزكاة؟

الموقف الاستراتيجي للسلطة هو التحالف مع التيارات الدينية ضد قوى الإصلاح الوطنية، وعلى رأسها وعلى الأخص جماعة الطليعة أو جماعة الخطيب والقطامي.

بعد الغزو جاءنا الشيخ سالم الصباح ليعتذر ويقول ان اغلاق نادي الاستقلال ومواجهة دواوين الاثنين خصوصا ما حصل في ديوانية مشاري العنجري ليس مني ولكن بأوامر.

المهم ألا يأتي من «بلشنا ليخنقنا».

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك