((الآن)) تنشر ما منع من النشر لعازل المطيري

زاوية الكتاب

الشرعية بين شرعية العادات والتقاليد وبين شرعية الدستور القانونية

كتب 14933 مشاهدات 0

د. عازل المطيري

كتب الأستاذ بجامعة الكويت- الدكتور عازل المطيري- مقالا منع من النشر حيث يكتب، وتنشره أدناه كما هو دون تعليق، فذاك شأنك-عزيزي القاريء:


الشرعية


ناقش علماء الإجتماع الكبار، كإبن خلدون وماكس فيبر وديفيد إيستون، شرعية الأنظمة الحاكمة وقالوا (مع إختلافٍ في المفردات) أنها تأخذ شكلاً من أشكالٍ ثلاثةٍ متداولة. فهي إما ١) أن تكون شرعية قائمة على العادات والتقاليد ٢) أو شرعية تقوم على العقلانية القانونية ٣) أو شرعية مستمدة من الزعامة الكاريزمية.

ربما لاينكر متبصر أن أسرة آل الصباح الكرام هم من حكم الكويت منذ مايقرب الثلاثة قرون. وصُنِّف حكمهم على أنّ له شرعية مستمدة من العادات والتقاليد، أي النوع الأول من أنواع الشرعية. لسبب أو لعدة أسباب، قد يكون من غير المهم ذكرها هنا، أرادت مؤسسة الحكم إلإنتقال من صورة الشرعية القائمة على العادات والتقاليد الى صورة الشرعية القائمة على العقلانية القانونية وذلك في عام 1961 عندما تم الإتفاق على إسلوب جديد لإدارة الدولة فكان دستور 1962 وكانت الدولة الحديثة.

هذا المقال مبني على الإدعاء التالي: أن الشرعية في الكويت أخذت شكلاً جديدا (الدولة الدستورية القانونية) ولكن الشرعية الحقيقية والمسيطرة مازالت على نمط الشرعية الأول وهي الشرعية القائمة على العادات والتقاليد. هذا الإدعاء مبني على أدلة وشواهد متواترة تصل بنا الى حد اليقين أن هذا الإدعاء هو حقيقة مُسَلّمة. ينتج من هذه الحقيقة حقيقة أخرى مهمة وهي: أنّ كل مشكلة مركزية نواجهها في الكويت هي بسبب تداخل هاتين الشرعيتين. فشرعية العادات والتقاليد ترفض التسليم لشرعية القانون. ربما وأقول ربما ذلك بسبب إنتفاء سبب الإنتقال من الصورة الأولى الى الصورة الثانية!

إنتبَهَ واضعي الدستور الى أنّ الإنتقال من صورة الى أخرى يتطلب وقتاً تمّ تقديره بالخمس سنوات وذلك عندما تم الإتفاق على أنه من اللائق النظر في تنقيح الدستور بعد مضي خمس سنوات من إقراره بما يتناسب والصورة الجديدة للشرعية، وهذا مالم يتم تاريخياً.

لهذا الإنتقال (النظري) من صورة لأخرى ومنع الإنتقال (عملياً) آثار سلبية كبيرة على الدولة والمجتمع يطول فيها الشرح وتكثر فيها الشواهد. ولأن الموضوع متعدد ومتشعب فسأركز فقط لحساسية التاريخ على مظهر وموقف ناتجيْن من هذا الإنتقال.

أمّا المظهر فهو أنّ مؤسسات الدولة (الحديثة!) تستجيب لشرعية التقاليد بصورة أكبر بكثير من إستجابتها للشرعية القانونية. وعلى هذا أدلة أهمها: أولاً: أنّ طبيعة إقرار القوانين والإقتراحات لايُبنى على الرأي التخصصي الفني بقدر ما يبنى على الموافقة الشخصية لمن يمثل شرعية التقاليد على هذه القوانين والإقتراحات. فالموافقة على علاوة الأولاد لتشمل 7 أبناء وإسقاط مبالغ من فواتير الكهرباء أدلة حيوية ماثلة. ثانياً: أنه لامانع من أن ينفذ قرار شرعية التقاليد حتى ولو كان مخالفاً للدستور والقانون .. فمنع المواطنين من حقهم في التجمع دليل صارخ على هذا النمط. وانظر كيف تعاملت مؤسسات الدولة (كوزارة الداخلية مثلا) مع منع المواطنين من التجمع أمام ديوان الحربش. فوزارة الداخلية قدمت أمر الشرعية التقليدية على حكم المحكمة الدستورية الذي يقضي بإقرار حق المواطن في التجمع للتعبير عن رأيه.

بل لم يقف الأمر عند مؤسسات الدولة، فهذه الإستجابة سارية أيضاً في حق بعض مؤسسات المجتمع كالقبيلة مثلاً. فإستجابة بما يُعرف ب 'أمراء القبائل' للشرعية التقليدية أوضح بكثير من إستجابتهم لشرعية القانون لذلك تم إستخدامهم مؤخراً بشكل واضح لتحجيم الشرعية القانونية. وقد سمحوا (أي شيوخ القبائل) لأنفسهم بذلك الدور لاجهلاً منهم بل بسبب إعتقادهم أنّ شرعية القانون تسلب إمتيازاتهم (القديمة) وتساويهم بباقي أفراد المجتمع ! وهذا يُخالف إرث آبائهم وأجدادهم !

هذا بالنسبة للمظهر أما بالنسبة للموقف فهو حالة إنتظار حُكم المحكمة الدستورية للبت بمرسوم الضرورة (20/2012) القاضي بتعديل جزئي للنظام الإنتخابي وهو مثال حيوي على التنازع مابين الشرعيتين. فهناك شبه إجماع قانوني وعقلي على ألاّ يسمح للسلطة التنفيذية منفردةً بتحديد آلية إستخراج السلطة التشريعية لأنّ الأخيرة هي التي تباشر مراقبة أعمال الأولى. بيدَ أنّ التقدير المنفعي للدولة قد يتطلب الإنسجام مع رأي الشرعية التقليدية ولو كان ذلك على حساب جُملة من آراء المختصين الذين ساقوا شبه إجماعٍ في هذه المسألة. وقد يترتب على هذا الموقف موقف سياسي جديد وهو مقاطعة الإنتخابات القادمة. نعم، قد لاتكون المقاطعة الجديدة مؤثرة كسابقتها لكنها تسجل موقفاً أخلاقياً في الإنحياز لشرعية وُلِدت صغيرة وربما وُئدت صغيرة.

د. عازل المطيري

الآن - عازل المطيري

تعليقات

اكتب تعليقك