سيكولوجية الداعشي…؟!!‎ بقلم عبدالكريم الشمري

زاوية الكتاب

كتب عبدالكريم الشمري 1065 مشاهدات 0

عبدالكريم دوخي الشمري

بعد جولة ليست قصيرة في حسابات المنتمين لداعش في تويتر-وخصوصا الشباب منهم-تبين لي بأن القاسم المشترك بينهم تقديم العاطفة على الشرع عند التضاد…ولا أدل على ذلك من تصريح أحدهم بهذه الحقيقة عندما قال وهو يرد على من ينتقدهم للإكثار من الأناشيد المهيّجة وتركهم النصوص الشرعية:(نشيدة واحدة تشجعني على الذهاب لمناصرة إخواني أفضل من آلاف الأحاديث التي تخذلني)…!.
فهذا الشاب الذي-وقع بالكفر لتفضيله الأناشيد على النصوص الشرعية-نموذج مختصر لسيكيلوجية الشاب الداعشي…!
فالشاب الداعشي شاب عاطفي!…يحتكم للعاطفة وينساق لها ويعمل بمقتضياتها هروبا من واقع المسلمين البئيس؛ولأنه يجد في الإحتكام للعاطفة لذّة انتقام آنيّة تُقدّم له على أطباق من الشبهِ الشرعية،فلا يتحرج ولا يشعر بوخز الضمير وهو يُفسد بانسياقه للعاطفة الغير منضبطة؛لأنه يسيء ويظن بأنه محسن والإساءة مع اعتقاد الإحسان أخطر من الإساءة التي تُرتكب مع اعتراف مرتكبها بأنها اساءة؛لأن الأول لا يزيده اعتقاده بإحسانه إلا تماديًا بإساءته،بينما الثاني لو لم يجعله يقينه بأنه مسيء إلا أنه لا يعد اساءته من أعماله الصالحة لكفى!،فكيف لو زاد على ذلك شعوره بالذنب وتألمه من تأنيب الضمير!.
وقد أكد الله سبحانه هذه الحقيقة بقوله:{وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون} .
يقول العلامة السعدي عند قوله تعالى:
{قالوا إنما نحن مصلحون}:
(فجمعوا بين العمل بالفساد في الأرض، وإظهارهم أنه ليس بإفساد بل هو إصلاح، قلبا للحقائق، وجمعا بين فعل الباطل واعتقاده حقا، وهذا أعظم جناية ممن يعمل بالمعصية، مع اعتقاد أنها معصية فهذا أقرب للسلامة، وأرجى لرجوعه).
ولذلك تجد دعاة التكفير والفتن يحرصون على استقطاب الشباب من خلال مخاطبة العواطف لا العقول ويجعلون العاطفة هي الأصل ثم يدورون بين الكتب بحثا عما يساعدهم لصياغة شبهة تُضفي على انسياقهم الأعمى خلف العواطف صبغة شرعية…!
فلا يُستغرب والحال هذه إذا قدّم الداعشي النشيدة المهيّجة على النصوص الشرعية، فالأناشيد المهيّجة له قدرة هائلة على تغييب العقل وتجييش العاطفة!…يقول ابن خلدون في مقدمته مبينًا أثر الأصوات المطربة على النفس في الحروب:(النفس عند سماع النغم والأصوات يدركها الفرح والطرب بلا شك،فيصيب مزاج الروح نشوة يستسهل بها الصعب،ويستميت في ذلك الوجه الذي هو فيه.
وهذا موجود حتى في الحيوانات العجم،بانفعال الإبل بالحداء،والخيل بالصفير والصريخ كما علمت،ويزيد ذلك تأثيرًا إذا كانت الأصوات متناسبة كما في الغناء،وأنت تعلم ما يحدث لسامعه من مثل هذا المعنى؛ولأجل ذلك تتخذ العجم في مواطن حروبهم الألات الموسيقية لا طبلًا ولا بوقًا،فيحدق المغنون بالسلطان في موكبه بآلاتهم،ويغنون،فيدركون نفوس الشجعان بضربهم إلى الاستماتة،ولقد رأينا في حروب العرب من يتغنّى أمام الموكب بالشعر ويطرب،فتجيش همم الأبطال بما فيها،ويسارعون إلى مجال الحرب،وينبعث كل قِرن إلى قِرنه،وكذلك زناتة من أمم المغرب يتقدم الشاعر عندهم أمام الصفوف،ويتغنى فيدك بغنائه الجبال الرواسي ويبعث على الاستماتة من لا يظن بها…وأصله كله فرح يحدث في النفس فتنبعث عنه الشجاعة كما تنبعث عن نشوة الخمر بما حدث عنها من الفرح والله أعلم).
ومن القواسم المشتركة بين الشباب الداعشي قصر النظر وتنزيل قرائن الحال منزلة الأدلة الأصلية…!
فالشاب الداعشي يصحح معتقد وتديّن الأشخاص بالنظر لقرائن حالهم وما نالهم من تنكيل بسبب الصدام مع الحكومات لا بالنظر لما بُنيَ عليه هذه المعتقد والتديّن من أدلة الكتاب والسنة!.
ولذلك تجد الشاب الداعشي يقدّم قول المخالف للكتاب والسنة على قول العالم المتبع للكتاب والسنة؛لأن المخالف للكتاب بالسنة رجل متقلل من الدنيا وزاهد فيها،وقد يكون من الأثرياء الذين تركوا القصور والأموال وذهبوا للعيش بين الجبال،ويرد قول العالم المتبع للكتاب والسنة لأنه رجل يعيش في سلامة من دنياه ولا يصادم الدولة!.
ولنا فيمن قدّم قول بن لادن على الإمام بن باز أصرح الأمثلة على ذلك…مع اختلاف الزمان وتشابه القضايا!.
بينما لو فكّر العاقل المتجرد للحقيقة والدائر مع النصوص الشرعية لعلم بأن هذه الأمور تأتي تبعا لصحة المعتقد لا سابقة عليه…فالعالم المتبع للكتاب والسنة لا يزيدنا تقلّله من الدنيا وصبره على الأذى في نصرة التوحيد والسنة إلا احساناً للظن به ومحبة له…كحال شيخ الإسلام ابن تيمية.
و لا يزيدنا اصرار المبتدع الضال على نصر بدعته وتقلّله من الدنيا وزهده فيها إلا تعوّذًا بالله من حاله؛لأنه من أول الداخلين في قوله تعالى:{قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا}.
ولنا في الخارجي عبدالرحمن بن ملجم الصوّام القوّام اللاهج بذكر الله أصرح الأمثلة…فلم ينجِهِ تقلله من الدنيا وصيامه وقيامه من أن يكون أشقى الخلق بشهادة الرسول ﷺ…لأنه أقام هذه العبادات والزهد على أصل فاسد وعقيدة منحرفة شجّعته على التقرّب إلى الله بدماء الصحابي الجليل والخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه!.
ولم ينفع كذلك عمرو بن عبيد زهده وورعه من آثار عقيدة المعتزلة التي جعلته يكفر بالله برد النصوص الصريحة والتطاول على الصحابة كما جاء في ترجمته في سير أعلام النبلاء للعلامة الذهبي !.
فالحاصل أن ما يميّز الشاب الداعشي(سواء كان من ضمن المقاتلين في صفوف الدولة، أو المؤيدين لهم في أصقاع الأرض) تقديم العاطفة على الشرع واختلال ميزانهم في تقييم الأسخاص بجعلهم القرائن موضع الأصل!.

عبدالكريم دوخي الشمري

الآن: رأي - عبدالكريم الشمري

تعليقات

اكتب تعليقك