خليل حيدر يكتب: أمريكا تحت الميكروسكوب!

زاوية الكتاب

كتب 463 مشاهدات 0


الوطن

طرف الخيط  /  أمريكا تحت الميكروسكوب

خليل علي حيدر

 

تجول الدكتور المصري زكي خالد في العديد من المدن الامريكية عام 1952، واشنتون، نيويورك، شيكاغو، بافالو، لوس انجليس، ميامي، شتانوجا..الخ، من دون ان تكلفه تلك الجولة الا اقل القليل! ذلك انه كان قد عاد للتو مع اولاده مساء احد الايام من السويس بعد ان امضى اجازة نهاية الاسبوع، ليفاجأ بخطاب من وزارة الخارجية الامريكية والسفارة في القاهرة، تدعوه كشخصية علمية مصرية ممن درس في بريطانيا، وتولى العديد من المناصب في مصر، لزيارة الولايات المتحدة كضيف رسمي، ذلك «ان حكومة الولايات المتحدة ترغب في تشجيع القادة المصريين في مختلف ميادين النشاط على زيارة امريكا حتى يشاهدوا بأنفسهم مقدار التقدم ويتموا تعارفهم الشخصي الى زملائهم الامريكيين».
ولم يتردد د.زكي خالد عن تلبية الدعوة في اسرع وقت، وغادر القاهرة يوم 2 نوفمبر 1952..على احدى طائرات T.W.A، حلت به بعد 35 ساعة في نيويورك، وبعد جولة شيقة في مختلف المدن الامريكية، التي كان الزائر المصري يراها لأول مرة، وبعد عودته الى مصر، اودع تجربته ومشاهداته في كتاب.
ولما كان د.خالد متخصصا في علم الجراثيم او «البكتريولوجي» فقد اختار لكتابه عنوان من وحي التخصص وهو «امريكا تحت الميكروسكوب».
«من ساعة وصولي الى مصر والجميع يسألني مرارا وتكرار»، يقول د.خالد ما رأيك في الامريكان وكيف وجدتهم، وسبب ذلك اننا تعودنا في مصر ان نصف كل شيء غير عادي او شاذ بأنه امريكاني»! كيف رأى الزائر المصري امريكا في تلك السنوات؟
«سأحاول ان اجيب عن بعض ما سُئلت عنه»..وسنعرف بعض ما قاله في امريكا، تجد امامك الفرصة لتصل الى القمة: لتصبح مليونيرا او سفيرا او رئيسا للجمهورية حتى لو ابتدأت من القاع، لا توجد هناك طبقات لا ارستقراطية ولا غيرها، الامتياز الوحيد الذي يمكن الحصول عليه هو النجاح Success، وهذا بدوره يقاس بما يمكن كسبه من «المال» او تصل اليه من مركز علمي او ادبي».
ويرد على من ينتقد هذا التوجه لدى الامريكان: «البعض يعيب على الامريكي انه سعيد لجمع المال، ولكن قل لي بالله اين هذا الشخص او الاشخاص الذين لا يحبون المال، وهناك حقيقة لمستها وهي ان الامريكي لا يحكم عليك بمقدار ما تملك من مال او مركز عال، بل بالكيفية التي حصلت بها على هذا المال وذلك المركز، واذا فقد الامريكي كل ماله فلا يشعر انه فقد جزءا من نفسه، ويروح يصخب هنا وهناك ويشكو لكل انسان، بل العكس اذ يجتهد الأمريكي ان يخفي كارثته حتى لا تفسر على أنه لم يفلح في عمله، ويبدأ من جديد لاصلاح حاله وتكوين ثروة جديدة، بينما الأوروبي في ظروف مماثلة يثير العالم اجمع، بل يسر كل السرور ان أمكنه الحصول على المال من دون تعب».
ويذكر د.خالد ان الأوروبيين يدركون هذا الفارق بينهم وبين الأمريكان، وقد كتبت صحيفة باريسية عقب الأزمة المالية التي حصلت عام 1930 تقول: «لو حصلت هذه الأزمة في فرنسا لرأينا كارثة وذعراً ومصائب وانتحارات ومظاهرات في الشوارع واضرابات وأزمة وزارية..كل ذلك في يوم واحد أما في أمريكا فكل شيء هادئ وضحايا الموقعة جالسون يحصون خسائرهم ويستجمعون أفكارهم ويرتبون مستقبلهم».
ماذا عن السلوك الاجتماعي والنفسية الأمريكية؟ 
«وجدت الأمريكي مستعداً دائماً ليترك عمله ويشرح لك دقائقه ويدلك على كيفية تنفيذه، ويحب منك بل ويلح عليك ان تقلده».
ويضيف: «الأمريكي شخص طيب القلب سهل التعارف اليه كما هو الحال عندنا في مصر، وهو عندما يلقاك يصاحبك ويفضي لك بمكنوناته من مسرات ومن متاعب.أما كرم الضيافة الأمريكي، فحدث عنه ولاحرج، وأنت ولا شك لتعجب عندما تجد أحد كبار رجال الأعمال يترك مهامه ليستضيفك ويكرمك ويتحدث معك عن كل المواضيع»، لاحظ الزائر كثرة الطعام في أمريكا، وهو ما يلفت النظر الى اليوم! قال لي زميل – وكان اجنبياً - «لا أظن ان هذه البلاد سوف تنقلب شيوعية في يوم من الأيام»، وعلل رأيه، يقول د.خالد، «بكثرة الطعام الموجود في كل مكان».
ولاحظ كذلك بيع الأطعمة والقهوة في الصيدليات أو «مخازن الأدوية» كما يسميها ويقول ان الفكرة نشأت عقب الأزمة المالية الأخيرة – بعد انهيار سوق الأوراق المالية 1929، «ووجد الناس أنفسهم مضطرين للأكل بدلاً من التداوي، ولما انقضت الأزمة فضل اصحاب محال بيع الأدوية الابقاء على المطاعم اذ وجدوا أنك بعد تناول فنجان من القهوة مثلاً تتذكر انك في حاجة الى اسبرين او معجون اسنان او ادوات الزينة أو لعبة لأطفالك، فمخازن الدواء تكسب من وراء هذه الاضافيات أكثر مما تكسبه من وراء بيع الأدوية».
تحدث د.خالد، بحكم تخصصه عن «بعض العجائب الطبية» التي شاهدها ومنها يومذاك علاج ضيق صمام القلب جراحياً، وجراحة المخ، وعملية فصل التوائم والقلب الصناعي الذي يستخدم في عمليات القلب المفتوح والرئة الحديدية والكلية الصناعية وجراحات التجميل..وغيرها.
وشهد بدايات استخدام الطائرات العمودية وكتب «ان المستقبل هو للهيلوكوبتر، والشيء الذي يعوق انتشارها هو ارتفاع ثمنها الذي يبلغ ثلاثين ألف دولار».

الوطن

تعليقات

اكتب تعليقك