لا تنتصر الدول ولا تتقدم إذا نخر في جسدها الفساد.. كما يرى محمد الشيباني

زاوية الكتاب

كتب 444 مشاهدات 0


القبس

كيف انتصر الروم.. على الفرس؟

د. محمد بن إبراهيم الشيباني

 

معلوم في التاريخ أن الروم كلما دخلوا في حرب مع الفرس انتصروا عليهم، واستمرت الحال سنين طويلة، وكانت من أهم أسباب هذه الهزائم المتوالية انشغال الروم باللهو والمجون وشرب الخمر، وكانت الخمرة رأس ذلك الفساد العظيم المستشري في المجتمع، حيث براميل الخمر في الشوارع والطرقات، فكان الشعب في غفلة، والجيش في سكره، بل أن القيصر وأهله وحاشية قصره كانوا أكثرهم انشغالا بذلك. أمة لا تغفل عن السكر اليومي لحظة، أو قل على مدار الساعة.
كيف تنتصر أمة بهذا السوء والغفلة، وهي لا تلتزم بأدنى مقومات الحرص على مستقبل البلاد، والاستعداد لملاقاة العدو الذي قد يصل إلى موطئ قدم الحكم والنظام، وأمة لا تحرص على عافية أبدان جيشها وشعبها ويقظته لما يخططه ويترصده عدوها لها في كل حين ووقت لا فائدة منها؟! لكن الروم انتصروا على الفرس بعد ذلك، عندما هيأوا أسباب النصر وأعدوا له، فكانت بدايته إهراق الخمور في كل مكان وتكسير أوانيه وبراميله، وكانت البداية من قصر القيصر وأهله وحاشيته، ثم سرى ذلك في كل الأمة الرومية، فكان النصر، لأنهم أعدوا له عدته، حيث صحا الناس بعد نومة وفكرة بعد سكرة، وتخطيط بعد غفلة.

خذ هذا الأمر وقسه على دول العالم قاطبة الواعية والغافلة الواعية التي تدير أمورها بخبرة ودراية وحضرية وحداثة علوم، والأخرى التي لا تدرك معنى للدولة الحضارية القائمة على أسباب التطور، والإدارة الذكية الحكيمة التي تعمل الليل مع النهار لمسابقة من حولها والبعيد عنها.
لا تنتصر الدول ولا تتقدم إذا نخر في جسدها الفساد، ودب الوهن والخور وشتى أنواع الموبقات، من نفاق وخيانة وتفريق، بين فئات الشعب، وتقديم الواحدة على الأخرى، وشعور الجميع بذلك وعلمهم به.
اليوم ليس كالأمس فقد تطور المجتمع الدولي، وكثرت فيه أنواع التقنيات المتجددة والمتسارعة الرهيبة، ولا يستطيع أحد أن يحجب المعلومة عن أحد أيا كانت، فهل وعت أغلب العقليات التي تدير الدول بطريقة «ما أريكم إلا ما أرى»، وأن الجميع لابد أن يقبل بهذا الوضع.. والله المستعان. 

• من جميل الحكم:
«كنت أحسب الباطل مركباً معقداً والحق بسيطاً واضحاً. أما الآن فقد بدأت أرتاب وأتساءل: لماذا ترى الناس أقرب ما يكونون إلى اعتناق الباطل؟!». (مي).

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك