عدنان فرزات يكتب .. قُبلة ألهبت الجمهور

زاوية الكتاب

كتب 467 مشاهدات 0

عدنان فرزات

القبس

قُبلة ألهبت الجمهور

عدنان فرزات

 

أكثر رأس شامخ في العالم، هو الذي ينحني صاحبه لتقبيل يد أبيه أو أمه.

منذ أن ادعينا التطور والانفتاح، أصبح هذا المشهد نادراً جداً، بل إن الكثير من أطفال اليوم حُرموا هذه اللذة الروحانية، وأُشفق على حالهم، لأنهم لم يشعروا بطاقة الدفء والقوة والثقة والرضا تسري في أجسادهم في ما لو لامست شفاههم تلك اليد التي عانت وكابدت الحياة كي تكون سوراً لهم، عروقها أصلب من حجارة جبل عنيد.

ذات ذكرى ليست بالبعيدة، زار أحد المسؤولين الكبار مدينته التي ولد فيها، وكان له أبٌ أصيب بشحّ النظر عند الكبر، فقام المسؤول باصطحاب والده إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة، وسمع الناس أن المسؤول موجود بينهم فراحوا يبحثون عنه للسلام عليه عقب انتهاء الصلاة، فوجدوه أخيراً تحت أقدام والده يُلبسه حذاءه.

كان مشهد المسؤول وهو يجثو على ركبتيه عند قدمَي والده أكثر نصاعة من جلوسه على كرسي المنصب.

عاد هذا المشهد إلى الذاكرة قبل أيام حين كنا نشاهد احتفالية لمؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية بعرض فيلم تحت عنوان «الجذور والأغصان»، وكان حاضراً وزير الإعلام وزير الدولة لشؤون الشباب الشيخ سلمان صباح السالم الحمود الصباح، وجمهور كبير حين صعد نجل رئيس المؤسسة، سعود عبدالعزيز البابطين إلى مسرح مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي لتسلّم درع تكريم نيابة عن الشيخ عبدالمحسن إبراهيم البابطين، لكون الاحتفالية اشتملت أيضاً على تكريم شخصيات ثقافية إسلامية من الرعيل الأول، من الذين أسّسوا للاعتدال والوسطية، فما كان من سعود عبدالعزيز البابطين إلا أن انحنى وقبّل يد والده قبلةً أوقدت في نفوس الحاضرين جذوة شجية، صفّقوا لها. كنت على يقين بأن هذه القبلة بالنسبة إلى الأب عبدالعزيز سعود البابطين توازي ثروته، ولمحت في عيني أحد أصدقائي من الحضور التماعة سببتها دمعة أمسكتها أهدابه ومنعتها من النزول، فخرج من القاعة، وقادني فضولي لأن ألحق به لكوني من الشغوفين بتقبيل أيادي الآباء، فوجدته متجهاً نحو الباب الخارجي نحو فسحة خارجية، حيث وهنت أهدابه أمام سطوة الدمعة على النزول.

وللدموع عدوى تسري، فأصابتني، ومن دون أن أسأله، دنا مني ولا أدري هل كان يريد إشباع فضولي، أم أنه كان بحاجة إلى أن يفضفض عما بداخله وحكى لي بحرقة شديدة كيف أنه تمنى في هذه اللحظة أن يدثّر وجهه بكفي والده البعيد عنه، والذي تحول ظروف الحرب في بلاده من الوصول إليه.

 

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك