الفرحة القطرية - يكتب د. أحمد عبد الملك

زاوية الكتاب

كتب 539 مشاهدات 0


تكللت مساعي حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى بالنجاح، واستقبل أبناءهُ المُختَطفين غدرًا منذ أواخر ديسمبر عام 2015. حيث كان أول القطريين في استقبالهم في المطار.

لم ترضخ قطر لكل وسائل الابتزاز التي وقعت في الشهور الماضية، وتم تناول القضية بروية وعقلانية أسفرت عن إطلاق سراح المُختَطفين.

إن الحرية غاية سامية لأي إنسان، بل لأي كائن، لأنها الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ولا يجوز استلاب هذه الحرية من الإنسان، أو حرمانه من التمتع بها. وإذا كانت بعض الضمائر تموت تحت تأثيرات التعصّب أو لحظات الزهو المزيفة، بل وشهوة الانتقام، فإن المجتمعات الحية والمتحضرة لا يمكن أن تقبل بسلب حرية أي إنسان، بل وتُدين كل ما من شأنه التأثير على مساحة هذه الحرية التي اكتسبها الإنسان.

وإن كنا في قطر قد عشنا مأساة المُختَطفين وتعاطفنا كلنا مع ذويهم في محنتهم، فإننا كنا واثقين من أن رعاية الله سوف تشملهم، لأنهم أبرياء ، ولم يمارسوا أي عمل سوى دخولهم العراق بالطرق الرسمية وبمعرفة السفارة العراقية في الدوحة.

إن الأعراف والمواثيق الدولية كلها ترفض الاعتداء على حريات الآخرين، وتُدين استخدام الإنسان ورقة ضغط أو أسلوب مساومة في أية قضية أو موقف. لذا، أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته الأولى على أنه:

'يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وُهبوا عقلا وضميرا ، وعليهم أن يُعامل بعضهم بعضًا بروح الإخاء'.

كما جاءت المادة الثالثة من الإعلان ذاته مؤكدة للمادة الأولى، حيث تنص على:

'لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه'.

كما أكد الميثاق العربي لحقوق الإنسان – الذي اعتمدته الدول العربية – على صون حريات الناس، وجاءت المادة الرابعة كالتالي:

'لكل فرد الحق في الحياة وفي الحرية وفي سلامة شخصه، ويحمي القانون هذه الحقوق'.

وأكدت المادة السادسة هذا الحق كالتالي:

'لكل شخص الحرق في الحرية الشخصية، فلا يجوز القبض عليه أو حجزه أو إيقافه بغير سند من القانون، ولمن تُتخذ ضده هذه الإجراءات أن يطعن في شرعيتها ويطلب الإفراج عنه أمام جهة قضائية'.

وخلافًا لذلك ، فإن الأعراف الإنسانية والعادات والتقاليد العربية تمنع تعريض أي إنسان لمخاطر الاحتجاز أو المساومة.

نحن سعداء حقًا بعودة المُختَطَفين القطريين سالمين إلى ديارهم، وهذا هو شأن وطباع المجتمع القطري الذي يعيش التلاحم الاجتماعي في أقوى صوره، وينعم بالأمن والأمان، بل ويمد يده بالخير والمعروف إلى جميع شعوب الأرض. ونحن في قطر لم نُعادِ دولة أو شعبًا من الشعوب، بل ظللنا نساهم في رأب الصدع في العديد من البلدان والمناطق الملتهبة، وقامت حكومتنا ومؤسساتنا الأهلية بمساعدة العديد من الدول المنكوبة، دون منّة، ودون شروط، ودون مكتسبات. وذلك من منطلقات إسلامية وقومية عربية، وهذا ما دأبت عليه الدولة والشعب القطري منذ تأسيس الدولة مرورًا بالاستقلال.

إن زرع المحبة والوضوح والشفافية من المبادئ والقيم التي وجدت في أرض قطر منذ الخليقة! وهكذا تعاملت الدولة مع أشقائها المسلمين والعرب، دون انحياز أو تعصب فكري أو عقائدي؛ ودون فرض وصايات على المجتمعات الأخرى، الأمر الذي نتوقعه أيضًا من الآخرين تجاهنا.

ولقد تعرّضت دولة قطر إلى هجوم إعلامي شرس من بعض الدول الشقيقة، ولم يرد إعلامها على ذلك الهجوم، ولم تُستنفر الأقلام كي تمارس دورها في رد ذاك الهجوم، لأن الترفع عن مهاوي الحديث السييء هو بذاته أبلغ رد.

هكذا علمتنا المدارس القطرية والفرجان القطرية 'سَنَعَ' التعامل مع حوادث الزمن، وهكذا كانت 'ذرابة' الإنسان القطري في التصدي للمُحدثات التي تمسّ جوهر الإنسان أو تعرّضه للإساءة والتقليل من شأنه.

ولهذا، فإن ما عبّر به القطريون من مشاعر عبر جميع وسائل الإعلام يعكس تلك الروح التسامحية المتسامية عند وقوع الأخطاء أو حدوث المُلمات.

ولا مناص لدينا إلا التمسك بعاداتنا ومبادئنا الطيبة والأصيلة، وأن نبرَّ بعضنا البعض، نفرح في فرح الآخر، ونواسيه في النائبات والمُلمات.

والحمد لله رب العالمين.

 

الآن - الشرق

تعليقات

اكتب تعليقك