علينا نحن الخليجيين الاستفادة من الاتحاد الاوروبي.. يطالب عبد اللطيف بن نخي

زاوية الكتاب

كتب 748 مشاهدات 0

عبد اللطيف بن نخي

الراي

رؤية ورأي- تكتل تشرشل

د. عبد اللطيف بن نخي

 

في عام 1943 تحدث رئيس وزراء بريطانيا تشرشل في بث إذاعي عن الحاجة لإنشاء تكتل يوحد البيت الأوروبي، بمنهجية بديلة عن طريقة هتلر. وكرر طرح رؤيته في كلمة ألقاها في جامعة زيورخ في 19 سبتمبر 1946، حيث دعا فيها إلى الاستفادة من نموذج الولايات المتحدة الأميركية، وطالب بإنشاء مجلس أوروبا (Council of Europe) يعنى بتوفير البيئة المناسبة للوحدة، من أجل الحفاظ على السلام ومنع تكرار الحروب.

في عام 1949، تأسس المجلس كمنظمة دولية هدفها تحقيق وحدة أوثق بين أعضائه لغرض تحقيق المثل والمبادئ الأوروبية المشتركة وتيسير التقدم الاقتصادي والاجتماعي في المجتمع الأوروبي، ويضم حاليا 47 دولة. وتجدر الاشارة إلى أن مجلس أوروبا لا يتبع الاتحاد الاوروبي - المكون من 28 دولة - بالرغم من التشابه الكبير بين اسمه واسم مؤسستين تابعتين للاتحاد الاوروبي، وهما المجلس الأوروبي (European Council) ومجلس الاتحاد الأوروبي (Council of the European Union). والاستفتاء البريطاني الأخير الذي كانت نتيجته لمصلحة خروجها من الاتحاد الأوروبي لن يؤثر على عضويتها في مجلس أوروبا.

بالرغم من أن مجلس أوروبا والاتحاد الأوروبي كيانان منفصلين إلا أنهما يشتركان في القيم الأساسية كحقوق الإنسان والديموقراطية وسيادة القانون، وهما يؤديان أدواراً مختلفة ولكنها تكميلية. فمجلس أوروبا يجمع الحكومات للاتفاق على المعايير القانونية الدنيا في مجموعة واسعة من المجالات، في حين يعمل الاتحاد الأوروبي على تحقيق تكامل أعمق بين أعضائه في المجالين السياسي والاقتصادي.

من منظور آخر، يختلف مجلس أوروبا عن الاتحاد الاوروبي في درجة استقلالية الدول الاعضاء. فالدول الأعضاء في مجلس أوروبا تحافظ على سيادتها ولكنها تلتزم مع زملائها في المجلس من خلال اتفاقيات ومعاهدات أوروبية تصاغ داخل المجلس وفق القانون الدولي. في حين أن العضوية في الاتحاد الأوروبي تتضمن تنازل الدولة العضو عن جزءا من سلطاتها التشريعية والتنفيذية الوطنية لمصلحة المفوضية الأوروبية (European Commission) والبرلمان الأوروبي (European Parliament).

هناك دافعان لاهتمامي بمؤسسات الوحدة الأوروبية: الأول هو فشل مجلس التعاون الخليجي في منع وقوع الأزمة الخليجية القائمة، فضلا عن عجزه عن معالجتها. وأما الدافع الثاني فهو مرتبط بفشل هيئات المجتمع المدني الكويتية في ترسيخ وحدتنا الوطنية. لا شك أن نجاح الأوروبيين في ترسيخ الوحدة والسلم نابع من حرصهم على خلق البيئة المناسبة للوحدة من خلال تأهيل الحكومات والمجتمعات عبر آلية تستوعب هواجس الحكومات.

الأوروبيون نجحوا لأنهم أسسوا مجلس أوروبا وفتحوا أبوابه لجميع الدول الأوروبية التي تنشد التناغم والتعاون والحكم الرشيد وحقوق الإنسان في أوروبا، وتقبل مبدأ سيادة القانون، وقادرة ومستعدة لصون الديموقراطية وحقوق الإنسان والحريات الأساسية على الصعيد الوطني. ولأنهم قبلوا أن يراقب المجلس مدى تطبيق دولهم للمعايير التي اختاروا الاشتراك فيها. كما مكنوا المجلس من تقديم المساعدة التقنية للدول الأعضاء التي تحتاج إليها.

لذلك علينا نحن الخليجيين الاستفادة من التجربة الأوروبية الناجعة، فنبادر بإنشاء مجلس خليجي - قابل للتوسعة ليضم مستقبلاً دول الجوار مثلاً - يُعنى بترسيخ الثوابت المدنية التي تحتضن تعددية مجتمعاتنا وتنمي قيمنا الانسانية المشتركة. فيكون هذا المجلس الجديد مستقلاً عن مجلس التعاون ولكنه مكملاً لجهوده الرامية إلى تحقيق الوحدة والسلام.

وأما هيئات المجتمع المدني، وأخص منها تلك التي شكلت من أجل حماية الوحدة الوطنية أو صون دعامات المجتمع من قبيل العدل والحرية والمساواة، للأسف انحصر نشاط معظمها، فغابت عن الاحداث والأزمات المهمة، وتحولت بعضها إلى واجهات اجتماعية لمجلس إدارتها، فانشغل اعضاؤها بالصراع على الزعامة عن أهدافها في المجتمع.

لذلك، أدعو هذه الهيئات للتعلم من آلية عمل لجنة الوزراء التابعة لمجلس أوروبا، علما بأن هذه اللجنة هي هيئة اتخاذ القرارات القانونية في المجلس، وتتألف من وزراء خارجية الدول الأعضاء أو نوابهم (الممثلون الدائمون لدى مجلس أوروبا). واتخاذ القرارات المحورية في هذه اللجنة يتطلب اجماع الذين يدلون بأصواتهم، بشرط أن يمثلوا أغلبية الذين يحق لهم التصويت. ورئاسة هذه اللجنة تتحدد وفق الترتيب الأبجدي لأسماء الدول لمدة ستة أشهر فقط. ومن أجل تنظيم اجتماعات هذه اللجنة، أنشأ مكتب (Bureau) بعضوية 6 أعضاء من اللجنة، وهم: الرئيس الحالي، والرئيسان السابقان، والرؤساء الثلاثة اللاحقين وفق الترتيب الأبجدي. وليس لهذا المكتب سلطة اتخاذ القرار في المسائل الموضوعية.

التجارب التاريخية والمعاصرة، على الصعيدين الاقليمي والمحلي، جلها يؤكد أهمية تجديد النية واستحضار الأهداف الاستراتيجية للمؤسسة، سواء كانت اقليمية أو ضمن هيئات المجتمع المدني... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك