الحكومة هي المسؤول الأول عن هذا التراجع في مؤشر مدركات الفساد.. برأي عبد اللطيف بن نخي

زاوية الكتاب

كتب 852 مشاهدات 0

د. عبد اللطيف بن نخي

الراي

رؤية ورأي-  مؤشر وطني لمدركات الفساد

د. عبد اللطيف بن نخي

 

قبل شهر تقريباً، أصدرت منظمة الشفافية الدولية مؤشر مدركات الفساد لعام 2017. وكشف هذا التقرير أن أكثر من ثلثي دول العالم تعاني من تفشي الفساد، وأن مساعي محاربة الفساد في معظم الدول ما زالت متعثرة أو معدومة. كما شكك التقرير في إمكانية القضاء على الفساد في تلك الدول في المستقبل القريب.

للأسف الكويت من بين تلك الدول، بل إن ترتيبها العالمي هوى 10 مراكز إلى المرتبة 85، مقارنة بالعام السابق. حيث حصلت الكويت في التقريرالأخير على 39 نقطة من إجمالي 100، لتكون بذلك اقل من المتوسط الجبري لنتائج الدول المشمولة بالتقرير، وهو 43 نقطة. وبذلك يكون ترتيب الكويت في التقرير الأخير هو الأسوأ منذ اضافتها في تقارير مؤشر مدركات الفساد للمرة الاولى في عام 2003. والخطورة في ذلك تكمن في أن ترتيبها العام الماضي هو ثاني أسوأ ترتيب لها، ما يشير إلى وجود توجه نحو المزيد من السقوط في الاعوام المقبلة.

ولذلك لم يكن مستغربا أن يتدارس مجلس الوزراء هذا التراجع الحاد في مؤشر محاربة الفساد، والإعراب عن استيائه من النتائج، وتباعا تشكيل لجنة لإعداد الآليات والتدابير اللازمة لتعديل ترتيب الكويت - في مؤشر مدركات الفساد العالمي - وفق معايير الشفافية والنزاهة واحترام القانون والحريات.

وأيضا لم يكن مستغرباً أن تضم هذه اللجنة في عضويتها العديد من الجهات المسؤولة عن التدني الشديد في ملف مكافحة الفساد، حيث إنها برئاسة الهيئة العامة لمكافحة الفساد، وبعضوية العديد من الوزارات، من بينها الخارجية والمالية والعدل والشؤون الاجتماعية والتجارة والصناعة والإعلام، فضلا عن ممثل عن وحدة التحريات المالية وممثل عن الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية.

ومن جانب آخر، لم يكن مستغربا أيضا الهجوم المتعدد المحاور ضد الحكومة من قبل نواب وقياديين حاليين وسابقين، من أجل التملص من مسؤوليتهم الفعلية عن هذه النتائج الكارثية على سمعة الكويت في المجتمع الدولي، وما لها من تبعات على فرصها في جلب الاستثمارات وتحقيق رؤيتها الاستراتيجية.

بل كان من بين منتقدي الحكومة من انكشف أمر تسلمه منها مبالغ مالية أو أسهما أو عطايا أخرى، ومن ثبت بالدليل القاطع تستره على نواب وقياديين فاسدين. وأيضا كان من بينهم من مارس الفساد في ملفات غير مالية وغير إدارية - معتبرة في تقارير منظمة الشفافية الدولية - كملف الحريات، حيث دفع بعضهم الحكومة إلى قمع الحريات الأساسية باسم الدين.

لا شك أن الحكومة هي المسؤول الأول عن هذا التراجع في مؤشر مدركات الفساد، وهي أيضا مسؤولة - بدرجة أكبر - عن إعداد استراتيجية الدولة لمكافحة الفساد، بالتعاون مع السلطتين التشريعية والقضائية. كما أنها هي السلطة القادرة على توفير البيئة المناسبة لنجاح جهود مكافحة الفساد.

لا يمكن للدولة أن تنهض في وجه الفساد ما لم تتشكل لديها صورة مقطعية عن مدى انتشار سرطان الفساد في جسدها، تمكنها من تشخيص العلاج المناسب. ولكن تأخرت الحكومة كثيرا في توظيف أجهزتها وخبراتها في إعداد تقييم شامل سنوي لمؤشر وطني للفساد داخل القطاع العام، بالرغم من أن منظمة الشفافية الدولية تصدر تقاريرها السنوية الخاصة بمؤشر الفساد منذ عام 1995، وبالرغم من أن الكويت مشمولة في تلك التقارير منذ عام 2003.

النتائج التاريخية لترتيب الكويت في مؤشر الفساد تشير إلى أننا تخلصنا من موجتي فساد سابقتين، ونحن حاليا في الموجة الثالثة. فالموجة الأولى انتهت في عام 2010 ولكن سرعان ما بدأت الثانية في سنة 2012، واستمرت إلى عام 2015. هذه النتائج التاريخية يفترض أن يتم تحليلها من قبل المختصين للاستفادة منها في الخروج من الموجة الثالثة.

مكافحة الفساد تتطلب برنامجا وطنيا متكاملا، أركانه تطبيق القانون وحماية الحريات وترسيخ النزاهة وتعزيز الشفافية، وأساسه تقييم علمي دقيق لمواقع وحجم وأبعاد آفة الفساد. لذلك أدعو الإدارة المركزية للإحصاء، بصفتها المرجع الاحصائي الوحيد في الدولة، وفق قانون انشائها، أدعوها إلى عمل مسح احصائي سنوي لقياس الفساد في القطاع العام، بمنهجية تتوافق مع تطور المسح الاحصائي - المباشر وغير المباشر - لدى منظمة الشفافية الدولية، وبالتنسيق مع الهيئة العامة لمكافحة الفساد... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك