الوزير الحضري أصبح محصناً مهما يخطئ ، والوزير القبلي قد لا يمس منصبه المساءلة أصلاً ..د.حسن جوهر مستنكرا الاصطفاف الفئوي المتمثل في مفهوم 'الحضر مقابل البدو'

زاوية الكتاب

كتب 2143 مشاهدات 0




استجوابات الحضر والبدو!
د. حسن عبدالله جوهر
الاصطفاف الفئوي المتمثل في مفهوم 'الحضر مقابل البدو' قد تحقق بالفعل على أرض الواقع، وبدأت استحقاقاته الثقافية والاجتماعية والسياسية تأخذ موقعها على الساحة العامة بشكل غير مسبوق، ولعل الاستجواب الأخير المقدم من النائب مسلم البراك ضد وزير الداخلية الشيخ جابر الخالد خير دليل على حالة الاحتقان التي كانت مكبوتة في الصدور، ولكنها أخذت تنفجر على شكل ممارسات ومواقف عملية ناهيك عن المعارك اللفظية العنيفة بلا حدود أو قيود.

وبغض النظر عن موضوع الاستجواب ودوافعه وأسبابه، فإنه ببساطة إحدى حلبات هذا الصراع الذي خرج من قمقمه، كون الاستجواب بحد ذاته صورة من صور المواجهة السياسية الشرسة التي تتطلب 'استفراد العضلات' والحشد الشعبي والمتنفس للتعبير عما يجول في العقل الباطن من شجون ورصيد ثقافي معبّأ منذ فترة طويلة!

وبالتأكيد فإن الخاسر الأول والأخير من هذا التحول المزعج هو المصلحة العامة ومستقبل الكويت وأبناؤها وعلى أكثر من صعيد، وفي مقدمة هذه الخسائر زعزعة النسيج الاجتماعي الهش في الأساس وتذكيته المستمرة بروح التعصب والكراهية المتبادلة، والمؤسف حقاً أن الكل يتغنى عبر هذا النفخ الفئوي بحب الكويت في حين أن أكثر النوايا تتجه لإرواء عطش مجاميع محددة ومفروزة أصلاً، ومما يساعد على إبقاء حالة التشنج وسهولة التعبئة هذه سياسة الحكومة في الفرز المناطقي على مدى نصف قرن من الزمان وتقنين مفهوم داخل وخارج السور.

ومن صور الخسائر التي يتحملها الوطن برمّته من جرّاء هذا الاستقطاب الحاد، خصوصاً عبر بوابة الدستور هذه المرة، أن المواقف من الاستجوابات ولاسيما في الفصول التشريعية الأخيرة، أخذت تتحدد وفق منظور 'الحضر مقابل البدو' في مقابل انحسار المبادئ على حساب العواطف والفزعة، فالوزير الحضري أصبح محصناً مهما يخطئ أو يتجاوز من النواب الحضر في معظم الأحيان، كما أن الوزير القبلي قد لا يمس منصبه المساءلة أصلاً لعدم توافر الرقم المطلوب لمحاسبته أو طرح الثقة فيه ابتداءً، ورغم أن لكل قاعدة شواذ، فإن هذه الحالة باتت مسيطرة على الأجواء السياسية بشكل عام.

وحتى نقرب الفكرة أكثر نعطي مثالين على آخر استجوابين في المجلس لنرى حجم الكارثة التي يمكن أن تعصف بالبلد، فاستجواب وزير الداخلية قد لا يخلو من نوايا مبيَّتة وعلى خلفية تصدي الوزير للانتخابات الفرعية خلال السنتين الماضيتين واعتقال بعض المرشحين، ولم يوّفق الاستجواب في توقيته أو يتدرج عبر الأدوات الدستورية الأخرى المتاحة مثل السؤال أو تشكيل لجنة تحقيق في المجلس الجديد تحديداً، ولكنه نجح في إبراز إحدى صور الاعتداء على الأموال العامة وبمبلغ خيالي لا يمكن تبريره بالمنطق أو الشرع أو الروح الوطنية، ولا يمكن معه إعطاء صك البراءة للوزير مهما كانت التبريرات، ولكن طالما كان الاستجواب قبلياً فتذهب الخمسة ملايين دينار من الخزينة العامة للدولة إلى الجحيم!

وخطورة مثل هذا الموقف أن تتجرأ النفوس الضعيفة وما أكثرها في بلد احتل رقماً قياسياً عالمياً في سجل الفساد المالي بالمزيد من النهب والسلب مادام الصراع السياسي كفيل أي نوع من المحاسبة الجادة على تصرفات المسؤولين.

والنموذج الآخر للضرر البالغ كان في استجواب وزيرة التربية السابقة حيث دُمر التعليم وفسدت المؤسسات الأكاديمية حتى النخاع وأصبحت الشهادات الدراسية والألقاب العلمية تباع وتشترى وتهدى بلا حسيب أو رقيب، لكن رغم ذلك كله كان لزاماً ألا تسقط الوزيرة لأنها بنت الديرة ومستجوبها نائب قبلي!

والعكس أيضاً صحيح في استجوابات مماثلة ومنها استجواب وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء ووزير البلدية الأسبق عندما لم يجد المستجوب الحضري أحمد المليفي عشرة أعضاء لتقديم طلب طرح الثقة رغم التجاوزات الخطيرة التي أوردها في مرافعته، وهو الأمر الذي تكرر قبل ذلك مع استجواب النائب سيد حسين القلاف ضد وزير الشؤون الاجتماعية والعمل والسبب بكل بساطة أن الوزيرين الآخرين كانا من أبناء القبائل.

وهكذا بدت قصة الاستجوابات، وهي أهم أدوات الرقابة البرلمانية، خاضعة لمبدأ 'يوماً بيوم بدر' كناية عن روح الانتقام والثأر بدلاً من اتباع الحق وأهله... فسلام الله عليك يا كويت!

 

الجريدة

تعليقات

اكتب تعليقك