افتتاحية القبس توجه خطابا إلى صاحب السمو تري فيه أن الحل الحقيقي لتجاوز الاحتقان الطائفي هو في كف الحكومة عن احتضان التشدد، وفي العودة الى الكويت العصرية

زاوية الكتاب

كتب 3249 مشاهدات 0



قضية القبس اليوم 
يا صاحب السمو 

كنا ولا نزال نتحفظ على المخاطبة المباشرة لسمو امير البلاد، او لسمو ولي عهده، أو مناشدتهما، لأنها تؤدي، بقصد أو بدونه، الى الاحراج، أو قد تؤدي، بحكم عفويتها او جهلها بــ«البروتوكول»، إلى الإساءة الى ذات الامير او ولي عهده. خصوصا ان امير دولة الكويت يمارس اختصاصاته من خلال وزرائه، وان سمو ولي العهد لا يملك صلاحيات دستورية غير الانابة عن صاحب السمو الأمير، وان هناك، في النهاية، مجلس وزراء من مهامه الهيمنة على امور الدولة وادارة الشؤون العامة، وهو من يجب ان يُخَاطَب.
غير ان الاهتمامات العامة لسمو الشيخ صباح وحرصه على التواصل مع الناس ومع المعنيين بالشأن العام، حيث ان سموه استنَّ هذه الاهتمامات العامة منذ توليه رئاسة الوزارة، عبر الاحتكاك بالناس وزيارة الدواوين للتعرف على هموم المواطنين المباشرة، وهو ما يلقى الارتياح الكامل لديهم. كما ان سموه هو اول امير للكويت يحرص على استمرار التواصل مع رؤساء التحرير والالتقاء بهم بشكل شبه دوري، كل هذا يجعل من مخاطبته او محاورته امرا يكاد يكون مقبولا، او على الاقل ضمن نهج سموه وخطه.
سمو الأمير بدا منزعجا - ومَنْ يلومه؟! - من التمادي في الطرح الطائفي، والتراشق الذي حدث بين بعض المحسوبين على سنة الكويت أو شيعتها. وناشد سموه رؤساء التحرير والوسائل الاعلامية بالترفع عن المشاركة في التعصب الطائفي، وتوخي المصلحة العامة التي من المفروض انها تجمع كل الكويتيين. ومع ان أميرنا لم يَلُمْ الصحافة او يحددها كجهة مسؤولة عن تأجيج الطرح الطائفي، الا ان توجيه الخطاب الى الصحافة واللقاء برؤساء التحرير قد يفسره البعض ان الصحافة مسؤولة بشكل مباشر، او بحكم لهثها خلف الاثارة والخبر، عما يحدث من تنابذ وتفرقة بين المواطنين.
الصحافة لاتخترع القضايا، تزيد اشتعالها ربما، أو ربما تضخمها او تعممها، ولكنها، بالتأكيد، لا تخلقها. وعن الطائفية، والقبلية بالذات، فإنها يا صاحب السمو صناعة حكومية صرفة، خلقتها الحكومة، وعلى وجه الخصوص عندما قرَّبت منها السلف والإخوان، ورعتها بــ«الغيتوات» السكنية وبالتوزيع الانتخابي الفئوي والطائفي للدوائر الانتخابية الخمس والعشرين.
حتى ما عرف باسم قضية التأبين، ساهم بعض ابناء العائلة الحاكمة وجهاز أمن الدولة في اختلاقها، أو على الأقل تضخيمها.
ليس بالإمكان تجنّب الصراع الطائفي، أو حتى الاحتكاك بين الناس، إن واصلت الحكومة حرصها على تعميم التشدد تحت ستار التدين وفرضه على المواطنين، عبر الاجهزة الاعلامية الحكومية، أو مدارس الدولة. وأخيراً ومع حركة الإصلاح المزعومة، فإن هناك سعيا حكوميا حثيثاً لفرض هذا التشدد على المدارس والجامعات الخاصة. وليس بالامكان تجنب الاحتكاك، أو على الاقل الامتعاض ونحن نجيّ.ر الدولة بهيئاتها وسياساتها الإعلامية والثقافية والاجتماعية، وحتى المالية او الاقتصادية، لمصلحة التشدد والغلو، خصوصا انهما غريبان عن «الديرة» وأهلها، وحتى عن معتقدات البيت الحاكم. ليس هناك صراع طائفي حقيقي، لكن هناك محاباة حكومية لتوجه سياسي مغلف بالدين، وشتان بين الاثنين. ليس لدينا صراع طائفي، فسموّه أكد، عن حق، أننا لم نكن نعرف السني من الشيعي، ولم نكن نفرّق بينهما، ولكنْ لدينا تفضيل حكومي او احتضان رسمي لتوجه، ونبذ ونفي لغيره من التوجهات او المعتقدات، وبشكل يجافي نظام الدولة ويخالف قواعد الحكم الدستوري وأصوله.

أخيراً، على سبيل المثال لا الحصر، نُشر أن حكومتكم يا صاحب السمو تبحث عن تحديد لمعنى «الصحابة»، حيث ان عمومية التعريف في قانون المطبوعات تعيق ادانة «من يتطاول» عليهم. نحن في القرن الواحد والعشرين، وبيننا وبين من لم يتم تعريفهم حتى الآن ما يقارب الألفيتين. ومن تحاول الحكومة حمايتهم توفاهم الله منذ قرون، فكيف تتم الاساءة إليهم أو التطاول عليهم؟!. لقد تسامح الرسول مع من رجمه، ومع من وضع الأذى في طريقه، ومع من تطاول على ذاته وأهله. حتى في محنة السيدة عائشة، لم يُتهم أحد بالتطاول على أم المؤمنين، وهي كانت حية ترزق وعلى ذمة أشرف خلق الله!
يا صاحب السمو.. حكومات العالم مشغولة برفاهية شعوبها وتأمين احتياجاتهم وتحقيق امنهم، وحكومات دولة الكويت لا مشروع ولا رؤية لديها، بل أصبح همُّها الأول والرئيسي التصدي لمن يتطاول على من لا تعرف هي نفسها إذا كانت تنطبق عليهم تسمية الصحابة أم لا، وكذلك أهل البيت!!.. وهؤلاء بشر، يخطئون ويصيبون كبقية خلق الله.
حكومات العالم تخصص الجوائز والرعاية للمنتجات والمكتشفات الحديثة، وجوائز حكومة دولة الكويت هي فقط لمن يجوّ.د القرآن ويحفظ الاحاديث.
حكومات العالم تحتفل بأعيادها الوطنية وتخصص ايام تحريرها وذكرى ابطالها للكلمات والخطب الرسمية، ودولة الكويت يا صاحب السمو تمنع أجهزتها الامنية الاحتفالات بأعياد التحرير، وخطابها الرسمي في العشر الاواخر من رمضان.
يا صاحب السمو... لدينا جرعة دينية زائدة، مع أننا شعب مسلم بالفطرة، ولدينا «دكتاتورية» دينية تتعارض مع النظام الديموقراطي، ومع دستور الآباء والأجداد.. ولدينا اتجاه رسمي يرعى ذلك، ولدينا قوى نافذة تتكسب منه.
يا صاحب السمو..
لا يختلف، وليس من المفروض ان يختلف، اثنان على أنك صاحب الكلمة الاولى والاخيرة في ما يختص بالشأن الكويتي. ويعلم الجميع ان دستور الدولة قد جعل من رئيس الدولة «أباً لأبناء هذا الوطن جميعا». ونحن بحكم كويتيتنا نعلم ما تعنيه العلاقة الأبوية بين الأب وابنائه. فهي ثنائية الأبعاد، موحدة الهوى والأهداف، رعاية وحدب من جهة، وسمع وطاعة في الجهة المقابلة، وكل ذلك هدفه وغايته الوحيدة مصلحة الأبناء وتأمين مستقبلهم. لقد اخترنا كما اخترتم قبلنا، النظام الديموقراطي وسيلة للحكم والقواعد الدستورية حكما بين الناس، ونحن اليوم في زمن تتجذر فيه الممارسة الديموقراطية وتتخلى فيه الأنظمة الفردية، أو الأنظمة ذات الحكم العائلي الصرف - طوعا في أغلب الأحوال - عن سلطاتها لمصلحة الهي‍ئ‍ات والمؤسسات العامة. وفي هذا الزمن، وفي ظل هذه الظروف، ليس مناسبا التشكيك في ديموقراطية الحكم في الكويت، مثلما هو غير مناسب ايضا الحديث عن تقليص مساحات الحرية، أو إعادة النظر في سلطات الأمة التي تجذرت عبر نصف قرن من الزمن.
ان ما نواجهه اليوم ليس صراعا طائفيا. بل هو في حقيقته طغيان وهيمنة غير سوية من قبل التطرف والتشدد على مقدرات البلد. وغني عن القول ان التمييز لا يمارس ضد الطوائف او المذاهب، بل هو يمارس ضد كل من لا يتفق مع نهج التطرف والتشدد، بغض النظر اصلا عن تديّنه أو عقيدته.
ان السيطرة على التعصب الطائفي لا تتم عبر خفض صوت طرف أو مراضاة الآخر، بقدر ما تتم عبر نشر المبادئ الديموقراطية والتوعية بالحقوق الدستورية، وقبل ذلك التزام الحكومة والمؤسسات العامة بتطبيقها وتعميمها في علاقتها مع الجمهور. ولن تتم والدولة ترتدي الجبة وتعتمر العمامة وتبسمل وتحوقل في كل مناسبة. خطبة الأمير المؤسس الشيخ عبدالله السالم الصباح التي افتتح بها المجلس التأسيسي، بدأها مباشرة بــ«حضرات الأعضاء المحترمين.. السلام عليكم ورحمة الله» بينما تشابه خطبة أي مسؤول من مسؤولي اليوم خطب الجمعة، وتحتوي على الآيات و«الكليشيهات» الدينية التي تغلب على مضمون الخطاب وشكله.
ان الحل الحقيقي لتجاوز الاحتقان الطائفي هو في كف الحكومة عن احتضان التشدد، وإن كان غلافه دينيا، وفي تخلّ.يها عن احتضان التيار المتطرف، وفي العودة الى الكويت العصرية، أو على الأقل التي حدد ملامحها سمو الأمير المؤسس، رحمه الله، في خطابه المشار إليه «دولة عربية تتضامن مع شقيقاتها العربيات.. دولة محبة للسلام تسعى إلى إقراره وتؤيد كل من يسعى اليه متمسكة في كل ذلك بميثاق الامم المتحدة». او كما في المادة الاولى لدستورنا «دولة عربية» وحسب. لا إسلامية ولا دينية، وبالتأكيد ليست سلفية كما تقودها الحكومة اليوم.

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك