بدلا من التفرغ للبكاء والأنين.. محمد الوشيحي يسأل البدون أين إبداعاتكم وفنونكم؟!

زاوية الكتاب

كتب 2670 مشاهدات 0


 

 الجريدة

آمال : مو مني كل الصوج
محمد الوشيحي


 قبل يومين انطلقت من «تويتر» حملة «اقلب الصورة» للتضامن مع حقوق «البدون» الإنسانية، وما أكثر الحملات التي تنطلق وتتلاشى كدخان سيجارة، بلا تأثير، لكن الحملة هذه لها استثناء إنساني يلوّنها بلون مختلف عن غيرها.
وبعيداً عن موضوع التجنيس… ما بال إخوتنا من البدون تفرغوا للبكاء واختفوا بين حشائش كثيفة من الحزن فلم نعد نرى إلا دموعهم ولا نسمع إلا أنينهم؟ ما بالهم نذروا أنفسهم لجلسة القرفصاء وأسندوا ظهورهم إلى حائط الهم؟ ما بالهم يغنّون المواويل الحزينة ويرددون «مو مني كل الصوج»؟
متألمون هم؟ الجواب «نعم» بحجم السماء وأكبر… أعرف مقدار الألم، أو أزعم أنني أتخيل ذلك، وأعرف أن شيئاً لا يؤلمهم كما يؤلمهم الضحك على جراحهم والاستهزاء بها عندما تخرج من أفواه قليلي المروءة، رغم أن من البدون من يعدل قبيلة المستهزئ به كاملة ومنهم من تعدل عائلة بأكملها، لكنها الدنيا والحظوظ (بالطبع أتحدث عن البدون المستحقين لا المزورين الذين نثروا الملح على جراح المستحقين). ومع ذا، دعوني أعتب على البدون عتب محب…
يقول المؤرخون: «محنة الأديب منحة الأدب»، فأين الإنتاج الأدبي بين جموع البدون الذين يعيشون في محنة؟ أين الشعر العظيم؟ أين أدب الرواية؟ أين العملقة في التلحين؟ أين الفن التشكيلي؟ أين النحت والرسم؟ أين الاختراعات العلمية؟ أين وأين وأين كل ما له علاقة بالإبداع الناتج من الآلام؟
غالبية أدباء العالم كانوا لا يجدون قوت يومهم، كانت الهموم تعتصرهم فأنتجوا لنا عصيراً أدبياً بقي خالداً… تمعنوا في سِيرهم، فها هو الأديب العالمي «فيكتور هوغو» ابن القصور، يقدم أفضل إنتاجه وهو في فترة الاغتراب والمنفى، والشاعر العظيم بندر بن سرور اعتلى في الحالق الشاهق عندما كان «مشحتراً» لا يجد ما يدفئ عظامه من زمهرير الشتاء، وأعظم قصائده ظهرت للناس وهو يرتجف برداً ويعالج تشققات كفه، وها هو امرؤ القيس، أشهر من يملك قلباً أخضر من بين الرجال في التاريخ، يطلق حممه الشعرية وهو بين الصعاليك المعتّرين، وهي حمم تتفوق بفراسخ على حممه عندما كان يعيش في قصر أبيه ويحمل رتبة «ابن الملك».
هنا أيضا، من بين «بدون الكويت» سنجد الأديبة سعدية مفرح، الكاتبة، الروائية، ذات الذائقة الشعرية الفاخرة، والرائع علي المسعودي الذي كلما قرأت له تخيلته يجلس تحت ظل شجرة وحيداً يعزف بالناي، وغيرهما قلة، فأين الآخرون؟
أنا لا أدعو إلى الدروشة الفنية، ونسيان ما خلا ذلك، لا… أنا أقول احملوا التفاحتين، كل تفاحة في يد، تفاحة المطالبة بالحقوق وتفاحة الإبداع، فإذا سقطت الأولى من اليد بقيت الأخرى تسد الجوع.
دعوا الدموع للعين تتكفل بها، وليحمل كلّ منكم نايه ويبحث عن شجرة تظلله، ولينطلق، فالسماء لا يحكمها رجال المرور الكويتيون، وكم بين النجوم من مقاعد شاغرة، فحلقوا كي نراكم حين نراكم ونحن ننظر إلى الأعلى لا إلى الأسفل… حلِّقوا واعصروا الغيوم ليتساقط المطر، لا تنتظروا المطر… حلقوا وشكِّلوا من طين آلامكم ما يبهرنا ويسحرنا.
وكان الله في العون…

 

الجريدة

تعليقات

اكتب تعليقك