الشركات اليونانية تقاوم للبقاء حية في اقتصاد ميت
الاقتصاد الآنبقلم جوشوا شافين
يونيو 26, 2012, 1:40 م 689 مشاهدات 0
في الأسبوع الماضي تلقت شركة ميديكال سيرفيس ليمتد لتوريد المعدات الطبية، وهي شركة صغيرة مقرها أثينا لم تعد قادرة على دفع رواتب موظفيها، ما ينبغي أن يكون مفرحاً: طلبية من أحد مستشفيات المدينة لتوريد جهاز لمراقبة القلب.
لكن بعد تفكير طويل، قرر يانيس ستاموس، مؤسس الشركة، رفض الطلبية. والسبب أن الوفاء بها يعني أن تدفع الشركة تكلفة الجهاز البالغة 35 ألف يورو من خزانتها، لأن البنوك اليونانية أوقفت عمليات الإقراض، بينما يطلب الموردون الألمان الذين تلجأ إليهم الشركة الدفع مقدماً ونقداً.
وحتى إذا كانت قادرة على تحمل الفاتورة، سيتعين على ميديكال سيرفيس دفع الآلاف من اليورو ضريبة مبيعات للحكومة في غضون شهر - أي قبل فترة طويلة من الموعد الذي من المرجح أن يدفع فيه أي مستشفى المبلغ.
وقال ستاموس: 'إنه موقف رهيب للغاية، لقد تجمد كل شيء. الاقتصاد ميت ولم يعد أحد يدفع'.
والوضع في ميديكال سيرفيس ما هو إلا لمحة مما يحدث للشركات في أنحاء اليونان كافة في الوقت الذي تتوقف فيه تروس الاقتصاد عن العمل. وبعد معاناة مع الركود طيلة أربع سنوات، تكاد تكون معظم الأنشطة التجارية قد توقفت خلال الأسابيع الستة الماضية، وهي فترة شهدت خلالها البلاد جولتان من الانتخابات في الوقت الذي يزال مستقبلها في منطقة اليورو في علم الغيب.
وأدى الشلل السياسي إلى تسارع وتيرة خروج الودائع من البنوك اليونانية التي تشهد حالة من التأرجح وتعليق الجهود التي تُبذل بتمويل من الاتحاد الأوروبي لإعادة تمويل هذه البنوك. وأكد كبار رجال الأعمال أنهم لم يعودوا قادرين على الحصول على الائتمان الأساسي - حتى عندما يتباهون بالحصول على مجموعة من الطلبيات الثابتة.
وما يزيد الطين بلة أن الحكومة، التى تسيطر على جزء كبير من الاقتصاد، توقفت عن سداد فواتيرها. واعتباراً من الشهر الماضي، بلغت الديون المستحقة عليها للقطاع الخاص ما يقارب 70 مليار يورو.
وكان من المفترض أن تساعد خطة الإنقاذ التي قدمها الاتحاد الأوروبي بقيمة 174 مليار يورو على تحسن الأوضاع، لكن لم يكن لها أثر يذكر في الاقتصاد الحقيقي نتيجة دفع معظم الأموال بمجرد وصولها للدائنين الأجانب. وقال قسطنطين ميكالوس، رئيس الغرفة التجارية في أثينا: 'لقد وصلنا إلى نقطة نعاني فيها حالة من الجمود الكامل. أول ما ينبغي للحكومة الائتلافية فعله هو إعادة تمويل النظام المصرفي اليوناني'.
وكشفت دراسة أجرتها الغرفة التجارية أن 68 ألف شركة يونانية أغلقت على مدار الأشهر الـ 17 الماضية. وتوقعت الدراسة إغلاق 36 ألف شركة أخرى في الـ 12 شهراً المقبلة. كذلك توقعت الدراسة أن ينكمش الاقتصاد بنسبة 7.8 في المائة أخرى هذا العام - وهي نسبة أسوأ من توقعات الانكماش التي أعلنها معظم الخبراء الاقتصاديين والتي بلغت 6.5 في المائة. وحتى السياحة التي كانت تمثل حصناً مثالياً للاقتصاد اليوناني تعاني هي الأخرى نتيجة حالة عدم اليقين السياسي التي أدت إلى إلغاء السياح لحجوزاتهم.
وقال ثيميوس بولوتاس، الرئيس التنفيذي لمجموعة مارفين الاستثمارية، وهي شركة قابضة يونانية تمتلك فنادق وشركة طيران ومستشفيات خاصة وسلسلة مطاعم: 'أدت مشكلة السيولة البنكية إلى جانب الصعوبة التي تواجهها الدولة في سداد التزاماتها خلال العام الماضي إلى انتشار الآثار السلبية في الاقتصاد بأكمله وبات الجميع يشعرون بها'. ومما لا شك فيه أن بعض هذه الآثار واضحة للجميع. مثلا، أصبحت بعض الأدوية شحيحة ويتعين على المرضى دفع تكلفة العقاقير الطبية بالكامل، نظراً لاستحقاق مبلغ 370 مليون يورو على الصيادلة اليونانيين نتيجة خطط التأمين الحكومية.
وهناك بعض التأثيرات الأخرى أقل وضوحاً، إذ أكد أحد المسؤولين التنفيذيين في أثينا أن شركته بدأت في شراء مركز بيانات خارج اليونان، نتيجة المخاوف المتمثلة في معاناة البلاد هذا الصيف من انقطاع الكهرباء بسبب الديون المستحقة لمرفق الكهرباء الرئيسي.
ورفض المسؤول الكشف عن هويته لأن الشركة لا تريد أن يعرف العملاء الأجانب، أو المستثمرون المحتملون أن مقرها يقع في اليونان. وأضاف: 'من المحزن للغاية أن نفعل ذلك، لكن هذا هو الواقع'.
ويبدو أيضاً أن الأزمة النقدية تجبر الشركات اليونانية على التخلي عن الموردين الأوروبيين واللجوء إلى منافسيهم الصينيين، لأنهم على استعداد لتقديم الائتمان.
وقال ديميتريس بابانيكولاو، نائب رئيس شركة نيون للطاقة التي تعمل في مجال تثبيت الألواح الشمسية، إن هذا العامل، وليس التكلفة، وراء لجوئه المتزايد إلى شراء المواد من الصين بدلاً من ألمانيا، وهو تماماً النهج الذي اتبعه ستاموس في شركة ميديكال سيرفيس الذي اتجه إلى شراء أجهزة الموجات فوق الصوتية الصينية. ومن نواح كثيرة، يجسد ستاموس التقدم الذي حققته اليونان في بضعة أجيال قليلة - فضلاً عن الكارثة التي تواجهها الآن، فقد كان والده ينقل البضائع على ظهور الحمير في جزيرة أندروس. وبعد أن استقر في أثينا، أسس نجله شركته بمعاونة أحد الشركاء وقرض حصل عليه من البنك في عام 1991، كما تدرس ابنته الاقتصاد في جامعة أثينا.
وكان تأخر المستشفيات العامة اليونانية في السداد بمثابة تحد مزمن يتطلب تعاطف المصارف. ومنذ عامين، دفعت الحكومة لشركة ميديكال سيرفيس متأخرات بلغت مليون يورو في شكل سندات، الأمر الذي بدا وكأنه صفقة معقولة - حتى أدت خطة الإنقاذ الأخيرة التي قدمها الاتحاد الأوروبي للبلاد إلى خفض قيمة هذه الأوراق المالية بنسبة 50 في المائة. وتوقف ستاموس في آذار (مارس) عن دفع الرواتب بانتظام للموظفين البالغ عددهم ثمانية أفراد، كما لجأ إلى تخفض عدد ساعات العمل. وأعرب ستاموس، شأنه شأن المسؤولين التنفيذيين الآخرين في البلاد، عن أمله في أن تتولى حكومة جديدة هذا الأسبوع وتبدأ تسوية ديونها. وقال: 'إنني متفائل'.
تعليقات