اتباع سياسة النعامة لمواجهة الأزمات الاقتصادية لم يعد مقبولاً.. فهد الصباح مؤكداً

زاوية الكتاب

كتب 932 مشاهدات 0


النهار

رأي اقتصادي  /  شبح الإفلاس يخيم على الكويت

م. فهد داوود الصباح

 

كشفت معالجات الازمات الاقتصادية الكويتية في السنوات العشرين الماضية عن ذهنية متخلفة غير قادرة على قراءة المعطيات بشكل سليم، ولذلك فان غالبية الحلول التي وضعت كانت تؤسس لازمات جديدة، ولهذا السبب رأينا كيف بدأ تآكل الاستثمار المحلي، وتحول الكويت الى بلد طارد للاستثمارات ليس الاجنبية فقط، بل المحلية ايضا، ففي العام 2010 هرب منها نحو ستة مليارات دولار ما جعلها، وفقا لما ورد في موسوعة «ويكيبيديا» وعدد من التقارير الاقتصادية، الدولة الوحيدة في الشرق الاوسط وشمال إفريقيا التي تعاني من تدفق سلبي للاستثمارات، وللاسف أن هذه الخلل البنيوي الكبير لا يلاقي إي اهتمام من المؤسسات المعنية، بل أن الاقتصاد الوطني يتعرض لاسوأ انواع الابتزاز التاريخي الذي يمكن أن تشهده دولة في العالم، والاعباء التي تلقى على كاهله تعتبر انتحارا بطيئا تتسبب فيه المؤسسة التشريعية التي حولت خزائن الدولة الى مصدر للاستثمار الانتخابي، بدلا من تنمية الثروة الوطنية، ففي دولة مثل الكويت يعتبر صندوقها السيادي خامس أكبر صندوق في العالم، ويعد من أقدم الصناديق السيادية في العالم «أنشئ عام 1953» بدلا من أن يتطور فيها الاستثمار ويزيد احتياطي الاجيال المقبلة ويؤسس لاقتصاد دائم النمو غير مرتهن بالطارئ من الازمات، نرى أن هذا الصندوق يتعرض لما يشبه التفليس البطيء، لان الانفاق غير المدروس والمتهور، وشراء الولاءات الانتخابية عبر زيادات الرواتب غير المدروسة كل ذلك يؤدي الى شح في دعم صندوق الاجيال، إي رأسمال الهيئة العامة للاستثمار، التي كانت تمتلك حتى العام 2010 نحو 210 مليارات دولار اميركي، وهو رقم يعتبر جدا ضئيلاً قياسا على عمر الصندوق، وعلى المشاريع والتدفقات المالية التي كانت طوال العقود الماضية تتدفق عليه، اكان من العوائد الاستثمارية، او من خلال الحصة التي تقطتعها الدولة من العوائد النفطية لتضيفها الى صندوق الاجيال، او مقارنة مع الصناديق السيادية الخليجية التي تتراكم فيها الثروة الوطنية بما يكفل استمرارية قوتها وتفوقها.
للاسف ان هذا الوضع المأسوي لم ينظر اليه بعين المسؤولية الوطنية، وبدلا من ذلك نرى الاستحواذات الخليجية على الشركات الكويتية تزداد، وكأننا نعيش مرحلة بيع الاصول الاقتصادية وتفريغ الكويت من كل مقومات الاستثمار، وهو امر خطير جدا، لانه يرهن القرار الاقتصادي للخارج ايا كان هذا الخارج.
المعضلة الاقتصادية الحالية تحتاج الى قرارات جريئة وابداعية، وهذه لن تتوفر في المناخ السياسي الحالي الذي يدفع الى اليأس من الخروج من الازمة، لاننا اذا نظرنا بواقعية الى مؤسسات الدولة المعنية، وحسبنا انتاجيتها طوال السنوات القليلة المضية لوجدنا انها كانت شبه عاطلة عن العمل، اذ لا يمكن في ظل الاستقالات المتكررة للحكومات، وتكرار اجراء انتخابات نيابية كل بضعة اشهر أن تعمل إي حكومة او مؤسسة، وهذا يزيد من الاكلاف السلبية على الاقتصاد الوطني.
حتى هذه اللحظة لم تستغل الكويت اعادة الصناديق السيادية توجيه رؤوس اموالها نحو الخليج، ولم تعمل على وضع استراتيجية جديدة للاستثمار تقوم على انشأ بنية تحتية لحركة استثمارية حقيقية تنهي مرحلة الخوف من تبعات الازمات الاقتصادية العالمية على الاقتصاد الوطني، واذا استمر الوضع على ما هو عليه، إي زيادة غير مدروسة بالانفاق، وتقلص في العوائد الاستثمارية، وبيع الاصوال الاقتصادية، فان رأسمال صندوق الاجيال سيتآكل، وسيؤدي ذلك في النهاية الى افلاس حقيقي، ربما يكون المثال اليوناني اقرب الينا، إي لم يعد من المقبول اتباع سياسة النعامة مع مواجهة الازمات الاقتصادية، والالتهاء بالمماحكات السياسية التي تزيد من الخسارة ولا تجلب منفعة. هذا الأمر يجب أن يكون التحدي الحقيقي امام الحكومة المقبلة حتى لو كانت حكومة مؤقتة لاجراء انتخابات مبكرة، بعد حل مجلس الامة، فهل هناك من يسمع؟

النهار

تعليقات

اكتب تعليقك