نحن شعب ابتُلِي بحكومة استهترت بأرواحنا.. عواطف العلوي منتقدة

زاوية الكتاب

كتب 715 مشاهدات 0


الكويتية

مندهشة  /  الحل.. خيازرين منقعة بماء وملح

عواطف العلوي

 

يحكي محمود السعدني الكاتب المصري الساخر رحمه الله عن جده الذي عاش (120) عاما إلا قليلا، ولم ير الطبيب إلا في العام الأخير من حياته، ولم يكن محتاجا إلا لجرعة فيتامينات، ولم يمرض في حياته إلا بالزكام ووجع الأسنان، ولم يعرف السكر أو الضغط الطريق إليه، ولم يتسلل الفشل إلى كلاويه أو الفيروس إلى كبده، لماذا؟ لأنه كان يأكل طعاما بلا كيماويات، ويشرب مياها غير مختلطة بمياه المجاري، ويتنفس هواء لم تفسده عوادم السيارات، وأرضه لم تعرف أي نوع من الأسمدة إلا الأسمدة العضوية.
هذا جد محمود السعدني، وبالتأكيد كل من عاصره من جيله، أما أحفادنا فسيَحكِي (الكُتّاب) منهم للعالم عن أجدادهم -الذين هم حضراتنا- أننا كنا نأكل مواد غذائية فاسدة، ولحوم جواميس مريضة، وحميرا نافقة، وخنازير محرَّمة، وحلويات أطفال للقرقيعان منتهية الصلاحية! أكلناها ليس اضطرارا بسبب الفاقة والمجاعة وخشية من الهلاك أخذا بالرخصة الإلهية حين قال سبحانه «فمن اضطر غير باغٍ ولا عاد فلا إثم عليه»، فعلى العكس تماما، نحن في بحبوحة من العيش يحسدنا عليها العالم أجمع، لكن تلك السموم ملأت أجوافنا، واختلطت بلحومنا وتغلغلت في عروقنا، فقط لأننا شعب ابتُلِي بحكومة استخفت بعقولنا، واستهترت بأرواحنا، فألقت بنا لقمة سهلة سائغة في فم تجارٍ عديمي الضمير والأخلاق والدين، برعاية جهة قال عنها صاحب السمو أمير البلاد: «فساد البلدية ما تشيله البعارين»..!
فإن كانت البلدية بفسادها وتخلفها وتواطئها مع كل راشٍ ومتجاوزٍ للقانون و(داهن سير) هي المسؤولة عن فحص ما نأكله نحن وأبناؤنا، فلا نملك إلا أن نقول: على صحتنا وأرواحنا السلام..!
آخر حلقات مسلسل الإجرام الغذائي كانت شحنة تزن ستين طنا من نقانق الدجاج المخلوطة بشحوم الخنزير ولحمه قبل أيام داخل مخازن تجارية، مشرعنة بختم وقح يذكر أنها مذبوحة وفق الشريعة الإسلامية!!
كنا نسخر من الشركات التي تصدر لنا أسماكا مجمدة مكتوبا عليها «مذبوحة إسلاميا»، ولكن أن يمس الاستخفاف ثوابتنا وقيمنا الدينية -التي نعدها خطاً أحمر لا نقبل بتجاوزه- إلى درجة (خنزير مذبوح إسلاميا)، فتلك جريمة مكتملة الأركان دينيا وأخلاقيا وغذائيا وصحيا، تستدعي الحزم والصرامة في معاقبة كل من له يد فيها لا تأخذنا به رأفة، بل لا أجدني أبالغ حين أعتبر تاجر الأغذية الفاسدة تلك أخطر من تاجر المخدرات، فالثاني يبتعد عنه الجميع إلا من أغواه الشيطان، أما الأول فللأسف كلنا نبتاع منه ونأكل ونحن غافلون.. لنا الله!
بين تسيب الأخلاق وغياب الضمائر، وبين إدارات مترهلة ورقابة ضعيفة، وعقوبات هزيلة لا تتعدى إغلاق المحل لفترات وجيزة وغرامات مقدور عليها من أصحاب البشوت والكروش، وضغوط لا تتوقف من نواب خانوا القسم للتغطية على المتجاوزين، ومختبرات متهالكة، وفرق تفتيش مازالت تعتمد في الفحص على النظر واللمس والشم، وسفارات في الخارج تتقاعس عن التأكد من سلامة الأغذية المصدَّرة إلينا قبل أن تصدِّق عليها، وعدم وجود هيئة مستقلة تقوم بفحص الغذاء والدواء أسوة بالدول الحريصة على سلامة شعوبها.. بين ذلك كله.. هل مازلتم ترددون «الله لا يغير علينا»..؟!

الكويتية

تعليقات

اكتب تعليقك