المشاكل السياسية كما تراها فوزية أبل قد تمنع تنفيذ مطلب الحكومة الشعبية

زاوية الكتاب

كتب 743 مشاهدات 0


القبس

الحكومة المنتخبة... بين الضرورة والتطبيق

فوزية أبل

 

بعيدا عن الجدل الدائر حول قضية الدوائر الانتخابية، وحكم المحكمة الاخير، فقد أفرزت المرحلة الأخيرة مناقشات احتلت حيزا كبيرا في الفترة الماضية، لا سيما قضية «الحكومة المنتخبة»، وتطبيقها في البلاد، بهدف اكتمال التجربة الكويتية التي بدأت بصياغة الدستور من وجهة نظر مؤيدي الفكرة.

وبقراءة دستورية لباب السلطة التنفيذية نجد أن المادة 56 رسمت بشكل كبير آلية تشكيل الحكومة بنصها «يعين الأمير رئيس مجلس الوزراء، بعد المشاورات التقليدية، ويعفيه من منصبه، كما يعين الوزراء ويعفيهم من مناصبهم بناء على ترشيح رئيس مجلس الوزراء، ويكون تعيين الوزراء من أعضاء مجلس الأمة ومن غيرهم، ولا يزيد عدد الوزراء جميعا على ثلث عدد أعضاء مجلس الأمة».

ونظريا تعني الحكومة المنتخبة - الحكومة الشعبية - بالمفهوم البسيط أن تشكل الحكومة برئيس وزرائها من نواب منتخبين، وعلى الرغم من كثرة مطالب السياسيين في الفترة الماضية التي صبت في ذلك الاتجاه، لكن آلية التطبيق غير واضحة، بعضهم يتساءل هل تعني الحكومة المنتخبة ان يكون رئيس الوزراء وفريقه من أعضاء المجلس؟ أو تعني الحكومة المنتخبة أن تشكل من قبل الأشخاص المحسوبين على التيارات السياسية التي تستحوذ على أغلبية مقاعد المجلس؟ أم الابقاء على الوضع الحالي، بحيث يكون رئيس الوزراء من الاسرة ووزراؤه من النواب المنتخبين، أو أن تشكل الحكومة من أغلبية وزراء منتخبين - كما طالبت كتلة الأغلبية في 2012 أن يكون لها تسعة مقاعد وزارية، للاستحواذ على القرار داخل مجلس الوزراء.

ويأتي تحمل «المسؤولية الشعبية المباشرة» لأعمال السلطة التنفيذية - عن طريق نواب منتخبين - بحيث يكونون مراقبين بشكل مباشر من قبل من أوصلوهم الى المجلس، أحد أهم مزايا تطبيق تلك التجربة، لاسيما بعد مراحل الصدام وعدم الاستقرار بين السلطتين وعدم اكتمال الحكومات لمدتها الدستورية، الذي يرجعه بعضهم الى الآلية التي يتم بها اختيار الوزراء، او كما يقول بعضهم قفز الوزراء بالباراشوت على كرسي الوزارة، من دون ممارسة شعبية وخبرة تنفيذية وتشريعية سابقة.

ويعتبر البرنامج الحكومي الشعبي القادم من الشارع الكويتي بمنزلة الميزة الثانية، كونه سيتكون من برامج عدد من المرشحين الفائزين، بعد أن نالوا ثقة ناخبيهم على ذلك البرنامج الملامس بطبيعة الحال لهموم المواطنين وقضاياهم.

وعلى النقيض تماما يرى بعضهم أن تلك التجربة لا تصلح للتطبيق على الأقل في الوقت الحالي، فهناك من يرى أن أغلبية أعضاء المجلس فشلوا في القيام بدورهم الاساسي - التشريعي والرقابي - فضلا عن ظهور أنماط مختلفة من صور الفساد التشريعي خلال المسيرة البرلمانية.

وقد اثبتت بعض التشريعات التي تم اقرارها في الفترة الماضية تغليب المصالح الانتخابية والشخصية على المصالح الوطنية، وقد ضربت أغلبية 2009 و2012 نموذجا عمليا على السيطرة على القرار، سواء التصويتي أو التشريعي أو داخل أعمال اللجان لأهداف ضيقة بعيدة عن روح العمل البرلماني الذي تمنّاه المؤسسون.

وفي ظل عدم وجود أحزاب وهيئات سياسية ستنفرد الأغلبية بعد تشكيل الحكومة - أيا كان توجهها - بالقرار في السلطتين من دون وجود رقابة مباشرة عليها من مجلس الأمة، كونها تمتلك الأغلبية في البرلمان وتستحوذ على القرار في مجلس الوزراء، وستسقط بذلك أي استجواب يقدم لأي من وزرائها، سواء كان استجوابا رقابيا أو سياسيا. وقد تجبر الحكومة المنتخبة - بقوة الشارع - على إقرار بعض التشريعات غير المدروسة ذات الكلفة العالية، كما حدث من قبل في ملف الكوادر والمزايا المالية وإقرار قانوني جامعة جابر والمدينة الطبية، وذلك بهدف إرضاء ناخبيهم، الأمر الذي سيؤثر سلبيا في المنظومة التنموية والاقتصادية التي تحتاج الى رؤية ذات استراتيجية شاملة.

بيد أن المشاكل التي تعتري المشهد السياسي قد تحول دون تنفيذ مطلب الحكومة الشعبية، ففي ظل عدم توافر ضمانات تشريعية تحكم الرقابة على تلك التجربة، وعدم وجود مجلس مؤهل، وفي ظل الخطاب البرلماني غير المسؤول، وإمكانية استخدام المال السياسي في العملية الانتخابية، وعدم رضاء قطاع عريض على أداء المجلس بشكل عام، يجعلنا نتحفظ كثيرا على أي خطوة في ذلك الاتجاه.

فالإصلاح يبدأ من العملية الانتخابية نفسها، فالاتفاق على نظام انتخابي يرضي جميع الاطراف، وهيئة مستقلة تشرف على العملية الانتخابية بصلاحيات واسعة، وتحديد سقف لتمويل الحملات الانتخابية، وتهيئة المناخ المناسب لمساعدة الناخب على الاختيار الصحيح، كلها عوامل يجب توافرها، قبل القفز على تجارب قد تأتي بنتائج عكسية وتضر بالتجربة الديموقراطية الكويتية.

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك