الكذب الفلسطيني عند إبراهيم الابراهيم

زاوية الكتاب

كتب 606 مشاهدات 0


الرأي الآخر كذبوا.. وصدقنا 25/06/2007 إبراهيم الإبراهيم الكذب ذنب كبير، هذا امر معروف. لكن الاكبر من الكذب هو انهم صدقوا كذبهم وصدقناهم! والمصيبة ان يتكرر هذا الكذب كل الوقت، وان يصدقه الناس، كل الناس. فهذه حالة لا اعرف انها حصلت في التاريخ الحديث سوى مع الامة العربية في الموضوع الفلسطيني. فقد عاشت هذه الامة قرابة قرن كامل وهي شبه مخدرة تجلس امام مسرح اراجوز. الممثلون خلف الستارة يمثلون ويصرخون طلبا للنجدة، اما المشاهدون وهم بعشرات او مئات الملايين فإنهم يتفاعلون مع المسرحية مرة بالبكاء والتبرع وبالانقلابات العسكرية، ومرات عديدة ينقسمون احزابا ومنظمات يشتبكون فيما بينهم بكل انواع الاسلحة والمؤامرات الدامية. اربعة او خمسة اجيال، وعشرة عقود متصلة من الخداع والاستغفال، وفجأة تسقط الستارة وينكشف الطابق، طابق التواطؤ الغامض بين الممثلين والمشاهدين، بين محترفي خفة اليد والمصدقين انه السحر، المسرح يتفكك والستارة تسقط فيظهر الممثلون بكل عوراتهم وسوءاتهم وتكون الصدمة التي يستفيق بها الناس على الحقيقة الفاجعة التي انطلت عليهم طوال الوقت! هذا بالضبط ما حصل في غزة خلال الاسبوعين الماضيين. اترك جانبا الحكي والتنظير السياسي والتباكي والتراشق بالشعارات واتهامات المؤامرة والمؤامرة المضادة، فهذه بضاعة 'تلعب النفس'، ولم يعد لها قيمة امام ثلاثة او اربعة مشاهد حية حقيقية لا يمكن ان تبرح الذاكرة. مشاهد دموية تكشف تاريخا طويلا من التكاذب المدهون بكل انواع الاصباغ الكيماوية السامة: فمنظر الرجل الذي رموه من الطابق الرابع ولم يتبرع احد بأن يلملم عظام رقبته. ومنظر الرجل الآخر الذي جروه من مكتبه وتناوبوا عليه وسط الشارع بالنعال والركلات واعقاب البنادق حتى سقط مهشم الرأس بين ارجلهم. ثم صورة الذين اخرجوهم من البناية واقتادوهم عراة مرفوعي الايدي مطأطئي الرؤوس. واخيرا صورة المرأة التي تلطم على مصير زوجها واولادها وتفرغ من قلبها ووجدانها حمما من الشتائم والدموع والاوصاف التي يعف اللسان عن تكرارها لشدة ما هي موجوعة، ولأنها تختصر تاريخا معتما من الاوهام الكاذبة المكسورة. في غزة سقطت ستارة المسرح وانكشفت عورات الحواة وممثلي الاراجوز. وفي الضفة ونهر البارد ذاب الثلج وانكشف ما تحته من الوخم والدنس الذي طالما شممنا رائحته وسمعنا عنه لكننا لم نكن نراه او نصدقه. من اين نبدأ في استعادة فصول التاريخ الطويل المملوء بصفحات الاغتيال والسرقة والتآمر والبيع والسمسرة وكل مفردات قاموس الجمباز الاثيم الذي تواطأ الكثيرون في هذه الامة (بحسن نية او بغيرها) على كتمانه وادامته؟ ابتداء من مطلع القرن العشرين وحتى غزة ونهر البارد الاسبوع قبل الماضي. هم كذبوا ونحن صدقناهم. رددوها على مدى عقود واجيال عديدة، وكانت هذه الامة دوما تصدقهم وتمشي وراءهم معصوبة العينين مثل المغشى على افئدتهم. اما وقد سقطت خشبة المسرح في غزة ونهر البارد، وتكشفت عورات لاعبي الجمباز ومحركي دمى الاراجوز، فقد حق علينا وعلى الامة كلها ان تصحو. وان لم تكن هذه الصدمة كافية لتصحيح كبائر الذين عاشوا على الكذب، ولتقويم اخطاء الذين عاشوا على التصديق والوهم، فإنها ستكون طامة كبرى لا ينفع فيها الا دعاء ثكالى فلسطين وايتامهم،.. حسبنا الله ونعم الوكيل.. 'إنا لله وإنا إليه راجعون'. إبراهيم الإبراهيم
القبس

تعليقات

اكتب تعليقك