الدعاء وحده لن يبني الوطن العربي.. هذا ما يراه عمر الطبطبائي

زاوية الكتاب

كتب 3175 مشاهدات 0


الراي

من بين الآراء  /  على كف إسرائيل (3)

عمر الطبطبائي

 

كما أوضحنا في المقال السابق بأن الكيان الاسرائيلي يعمل من أجل تحقيق حلم أمة انغرس في ثقافتهم وهو الأمل في تكوين دولة صهيون وللأسف لقد نجحوا في تحقيق حلمهم باعتراف أغلب دول العالم ومنها دول عربية مسلمة!
ان اسرائيل كيان يعيش معنا، وظروفه المناخية مشابه لنا، ولو ذهبنا أبعد من ذلك قليلا سنكتشف بأن هذا الكيان لا يملك موارد طبيعية ورغم كل هذا تفوق علينا!... كيف نجح هذا الكيان فيما يفعل!؟

لقد ركز الكيان الاسرائيلي بعد تغير سياسة فرنسا عام 1967 اتجاهه وبعد المقاطعة العربية على أهم أدوات يمتلكها وهما الجيش والتعليم وتم استغلالهما أفضل استغلال حيث قام هذا الكيان بغرس أهدافه فيهما.

يعترف هذا الكيان بأن التعليم هو أساس المجتمع وهو القاعدة الأساسية للثقافة ووحدة المجتمع، كما يعتبر التعليم أغلى وأثمن مورد في اسرائيل لأن التعليم في ثقافتهم هو من سيحدد نجاة مستقبل اسرائيل آنذاك.

ان التعليم في اسرائيل «لا يهتم على التحصيل التعليمي للطلاب فقط» بل يهتم في استنفاد المكمون لكل طالب كغاية تربوية من خلال الاهتمام بانجازات الطلاب وفعاليات خدمة المجتمع وشعور الطالب بالأمان! كما ان جهازهم التعليمي هو المسؤول الاول عن تنمية شخصية الفرد الاسرائيلي، وتنمية الإبداع لذلك يتيح نظامهم التعليمي الكشف عن مهارات وقدرات وابداع كل فرد اسرائيلي في مجاله ومن ثم يتم استقطابة وبلورته وتهيئته وهذا كله انعكس بالايجابية على مجتمعهم، فعدد براءات الاختراع التي سجلت في اسرائيل 7652 مقارنة بعدد الاختراعات العربية التي سجلت بين عام 1980 الى 2002، ففي السعودية 171، مصر 77، سوريا 20، الأردن 16، الامارات 32 والكويت 52 ولو جمعنا عدد الاختراعات سنجد بأنها 367 اختراعا عربيا فقط!، وهذا كله لا يتحقق الا بهيئة تدريس ومعلمين عاليي المستوى لذلك يخضع المدرس الاسرائيلي الى برنامج تأهيل المعلم!
لقد قامت الحكومة الاسرائيلية في أكتوبر 2003 بتشكيل لجنة «قوة المهام القومية للنهوض في التعليم» لتضع خطة توصيات لتطوير التعليم وكذلك «الطرق لتنفيذها» وما يثير الاهتمام هو تخصصات أعضاء هذه اللجنة فهي تضم 18 عضوا من شخصيات تربوية وأكاديمية من الحقل التعليمي وخبراء في مجال القانون والاقتصاد ومديرين في مجال الأعمال كما شكلت لجنة قوة المهام 8 لجان مهنية تضم 60 عضوا وكل لجنة تعالج أو تطور موضوعا مختلفا، لقد عمل أعضاء قوة المهام ولجانهم من دون مقابل!

أما الأدوات الأخرى والتي تعتبر جزءا رئيسيا في المجتمع الاسرائيلي هي الجيش والذي يطلق عليه اسم «جيش الدفاع الاسرائيلي».

ان الخبرة العسكرية في اسرائيل أهم من الخبرة الاكاديمية لما يكسبه الفرد من خبرة أثناء تأدية خدمة التجنيد الاجبارية حيث حرص الكيان على زرع ثلاثة مفاهيم في الفرد الاسرائيلي:1. العمل الجماعي والذي يبث روح التماسك بظل الأوضاع المحيطة لاسرائيل، 2.المبادرة نعم المبادرة فطريقة الجيش هناك تبني الشخصية الاسرائيلية وتقويته في الابتكار والابداع ولعل أغلب رؤساء الشركات الاسرائيلية العالمية كانوا مبادرين في الجيش الاسرائيلي!، 3. اتخاذ قرارات جريئة في سن مبكر مما تساهم في تقوية الشخصية الاسرائيلية!

ان قيادة الجيش الاسرائيلي لا يختار في صفوفه الا أذكى الطلاب والمتميزين في مرحلة الثانوية وربما هذا عكس آلية الاختيار في دولنا العربية والخليجية تحديدا كما غرس الجيش هناك لغة مناقشة الأوامر وتحليلها وان لم يقتنع الجندي فيحق له الاعتراض، لاحظ عزيزي القارئ نعم يحق له الاعتراض لأعلى منه اعتراض الضابط الاعلى منه رتبة! وهذا ما خلق ثقافة تعتبر من أهم ثقافات المجتمع الاسرائيلي وهي خوتزبة «chutzpah» وتعني «الوقاحة» من خلال اعتراض ومواجهة الموظفين لمدرائهم ان ظن أن هناك خللا ما وهذا عكس ثقافة مجتمعاتنا العربية تماما!

من خلال «خوتزبة» نستطيع أن نرى مدى تأثير الجيش ببناء ثقافة اسرائيل الاقتصادية وعلى سبيل المثال المشكلة التي واجهتها شركة أنتيل عام 2000 عندما قامت الشركة في زيادة سرعة معالج الكمبيوتر زادت معها حرارته ففشلت الشركة بتصنيع laptop بنجاح فقام فريق اسرائيلي بابتكار طريقة جديدة ضد كل ما هو معروف في عالم الكمبيوترات حتى يتخطوا هذه المشكلة فرفضت الشركة الأم هذه الفكرة فقام الفريق باعتراض قرار الشركة الام وحاول اقناع كبار المهندسين بطريقتهم، وبالنهاية تم اقناع الشركة بتبني الفكرة وتم تسمية البرنامج الجديد بـ centrino المتواجد الآن في جهازك!

كذلك ما ميز الجيش الاسرائيلي هو خلق منظمات شبه عسكرية وأبرزها منظمة «الغودناع» أو «الجدناع» وهي منظمة طلائعية لشباب اسرائيل تشرف عليها وزارتا «الدفاع والتربية» تحت ادارة مشتركة تقوم على تجنيد الشباب ما بين 14 الى 18عاما ومهام هذه المنظمة هو خلق الانضباط والايمان بأهداف اسرائيل من سن مبكر جدا! وما جذب انتباهي هو دور وزارة التربية في هذه المنظمة!
هكذا نجح الكيان الاسرائيلي في تسيير العالم بكفه، فاستطاع خلق موارد ربطها بأهدافه ومن ثم ترجمها بمجتمعه، ولاحظ عزيزي القارئ بأنني لم أتطرق الى الاعلام وكيف نجح هذا الكيان بالتحكم في الاعلام العالمي!

هكذا تفعل المجتمعات لتواجه تحديات وصعوبات المستقبل، فالدعاء وحده لن يبني الوطن العربي من دون تخطيط وتحديد استراتيجية ذات أهداف مستحقة وان استمررنا على حالنا سيظل الجسد العربي الاسلامي ينزف بشدة من جرح يدعى... فلسطين!
د ا ئ ر ة م ر ب ع ة: ليس كل رئيس قائد!

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك