من التاريخ نتعلم العبر!.. هذا ما يراه خليفة الخرافي

زاوية الكتاب

كتب 3275 مشاهدات 0


القبس

من التاريخ نتعلم العبر!

خليفة مساعد الخرافي

 

بداية، يجب أن نحمدالله على نعمه على أهل الخليج، فقبل النفط كان القحط يؤدي إلى الجوع والعطش، ومنذ ما قبل الاسلام يقتتل الأقوام في الجزيرة العربية فيما بينهم على المراعي وآبار المياه، فالقوي يغزو الضعيف.

ولإيضاح ما حدث في حرب الصريف يجب لفت انتباه القراء الى أنه في تلك الحقبة كانت العقيدة القتالية في معارك الصحراء في حشود ابناء البادية في الحروب ليست كالجيش النظامي في يومنا هذا، فلا يوجد تدريب ولا ضبط وربط ولا تجهيز ولا خطط ولا مخابرات ولا تقدير للموقف، ولأن المعارك هي اشتباك وتلاحم مباشر بالأجساد، إن بالسيف أو الرمح أو استخدام البنادق والتي يقاومها المهاجم بالهجوم بالابل بربطها وتسمى المسيوق لتتلقى الفشق (الطلقات) بدل المحاربين الذين يحتمون خلفها. في حروب الصحراء ينتصر من يكون اكثر عتادا وتسليحا وعددا وخيلا وإبلا، وطبيعة قتال الصحراء وحشية بشعة في التعامل مع العدو، ولا توجد وسائل اتصال بين جموع المحاربين، لهذا في حالة تقهقر جماعة من الجيش وانهزامها بسبب قوة مجموعة الخصم المهاجمة فتأثير ذلك على معنويات بقية الجيش تكون كبيرة وقد تؤدي الى الهزيمة.

والعقيدة القتالية في حروب ابناء البادية في الصحراء هي أقرب لحرب العصابات: اضرب العدو بوحشية وأوجعه ان تمكنت وانتصرت تكسب، والا فاهرب فالفوز بالمغانم احدى وسائل العيش، لهذا كثر القتال بين القبائل في الصحراء.

فقسوة الطبيعة وشح المطر وندرة المياه تهلك الماشية من أغنام وتهلك ما يحملهم ومتاعهم من ركائب من خيل وإبل، فالبدوي يعيش بين الحياة والموت، وكل مجموعة اقوام تدافع عن حقها في الحياة، فالصحراء لا ترحم، فالقوي يقضي على الضعيف، ويحكم الارض وما عليها.

لهذا، فالحديث عن معركة الصريف قد يكون شائكاً ومتداخلاً ويدخل من يخوض فيه الى المحظور.

ففي سويعات قليلة تحوّل نصر الغازي الشيخ مبارك الصباح الى هزيمة منكرة.

في حرب الصريف اختلط تضارب المصالح للانكليز والعثمانيين (الأتراك) مع أخذ الثارات (الشيخ يوسف الابراهيم) ومع من هو راغب في استرداد حكم ابائه وأجداده (الأمير عبدالعزيز بن سعود) وبين من يرغب في القضاء على خصومه الذين يهددونه ليل نهار (الشيخ مبارك الصباح) وبين من هو غاضب على من استضاف اعداءه (عبدالعزيز آل رشيد) وأطماع لأمراء وشيوخ فخوذ القبائل في كسب المغانم والعطايا.

وفي تلك الحقبة، كثرت المكائد والدسائس وشراء الولاءات والخديعة والخيانة والغدر.

حرب الصريف

تعرض حاكم الكويت السابع مبارك الصباح للخطر مرتين: الأولى عندما حاول الشيخ يوسف الابراهيم غزو الكويت بحرا في يونيو 1897. اما الثانية، فهي حملة جاسم بن ثاني في نوفمبر من العام نفسه. أما حرب الصريف، فحدثت في 17 مارس 1901م في منطقة الصريف الواقعة شمال شرق مدينة بريدة.

خرج الشيخ مبارك الصباح من الكويت واحتل مدينة الرياض، وبعض مدن في نجد استسلمت له بسهولة بعد حصاره لهذه المدن لفترة قصيرة: شقرا وعنيزة وبريدة، فسيطر الشيخ مبارك على نجد والقصيم السفلى.

كيف لا ينتصر جيش الكويت بقيادة الشيخ مبارك بن صباح والذي تحالف مع الكثير من فخوذ القبائل للقضاء على دولة آل رشيد، واختلف في تقدير عدد الجيش فقيل 10 الاف وقيل 13 الفاً وقيل 30 ألفا. وكان الجيش يضم الأمير عبدالرحمن بن فيصل وآل سعود بفارسهم الأشم الأمير عبدالعزيز آل سعود وكذلك أمراء بريدة آل مهنا وأمراء عنيزة آل سليم، وقد تزود هذا الجيش بالاسلحة وكانت نحو 5000 بندقية من نوع مارتيني. اما القبائل المشتركة، فهي:

الظفير: بقيادة الشيخ جعيلان بن سويط.

المنتفق: وهي عبارة عن عدة قبائل مجتمعة تحت حلف واحد، بزعامة الشيخ سعدون باشا السعدون.

مطير: الشيخ سلطان الدويش وابنه الشيخ فيصل الدويش.

العجمان: بقيادة أبو كلاب الشيخ محمد بن حثلين.

بني هاجر: بقيادة ابن شافي.

المرة: بقيادة ابن شريم.

سبيع: بقيادة ظرمان بو اثنين.

السهول: بقيادة ابن جلعود.

الرولة: بقيادة ابن شعلان.

قحطان: بقيادة حشر بن وريك.

العوازم: بقيادة مبارك بن دريع.

الرشايدة: بقيادة محمد بن قرنيس.

وعدد كبير وجموع من البدو الذين اشتركوا طمعاً بالغنائم.

فتعامل الشيخ مبارك مع هذه المعركة وكأنه ذاهب لنزهة (كشتة) في معركة الصريف.

اغتر من مع الشيخ مبارك بضخامة عدد الجيش والعتاد والتسليح، فانطبقت عليهم الآية الكريمة «ويوم حنين إذ اعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين» (25) ــ التوبة).

معركة الصريف، أول أطرافها الشيخ مبارك الكبير حاكم الكويت أبوجابر، وهو ابن صباح بن جابر بن عبدالله بن صباح، من العتوب من عنزة، والدته هي لولوه بنت محمد بن إبراهيم الثاقب، أمير الزبير من بني مرخان، جد الملك سعود، والذي تنتسب إليه أسرة آل سعود الكرام، كان مبارك جباراً في شخصيته المهابة وفي طموحه وفي عناده وفي سطوته، كان داهية، فيه حلم وكرم، وفي عصره ساد الأمن.

وكان مبارك أول حاكم عربي تمرَّد على سلطة الباب العالي (الخليفة العثماني).

وكانت له مقولة عن الأتراك «نحن نحبهم، وهم ما يحبونا». يقصد تكبر الأتراك على العرب ونظرتهم لهم بدونية. وأمر الشيخ مبارك بالمكوس والضرائب على البضائع التركية التي ترد إلى الكويت، وفي عهده عام 1899 وقَّع معاهدة حماية مع الانكليز، مما جعل الأتراك يرسلون طراداً حربيا ومذكرة تطالب الشيخ مبارك بالاستقالة، لكن الوفد التركي الذي حمل المذكرة تجاهله الشيخ مبارك فانسحب الوفد التركي غير راضٍ.

عارض مبارك بجرأة مشروع سكة حديد برلين – بغداد، فقامت الحكومة العثمانية بتأليب ابن رشيد أمير نجد ضد مبارك، لأنها لا ترغب في مواجهة مع الانكليز، ولمحاولة الأتراك استمالة الشيخ مبارك أنعموا عليه في عام 1900 برتبة «مير أميران باشا» أي أمير الأمراء.

وقد نصح الانكليز الشيخ مبارك بعدم قتال الأمير عبدالعزيز آل رشيد إلا أنه كان يرغب في الخلاص منه، وكذلك طلب منه الأتراك عدم قتال ابن رشيد حين علموا بكثرة أعداد من تحالف مع الشيخ مبارك الصباح.

***

معركة الصريف، هي التي قال فيها الشاعر حمود ناصر البدر لاثارة الحماسة في جيش مبارك قصيدته المشهورة، التي مطلعها:

«يا راكبين أكوار ست تبارى

فج النحور إفحاز ما بين الازوار»

(يصف في مطلع القصيدة نياق الحرب)

وهو يمدح فيها الشيخ مبارك ويمدح فيها أيضاً غريم مبارك وخصمه في المعركة الأمير عبدالعزيز آل رشيد، حين قال مادحاً ابن رشيد:

«ريف الضيوف ودار ستر العذارا

عبدالعزيز الشمري سر وجهار

تلقون زي راهيٍ واعتبارا

كار لخو نوره وحنا لنا كار»

ثم يمدح الشيخ مبارك الصباح:

«امبارك اللي بناظره لون نارا

طير السعد مع مقدمه وين ما سار

والا علينا يجهلون الامارا

منا ومنكم من هواديم الاعمار

انتم كما ضلع قوي حجارا

وحنا كما نجم على الضلع حدار

وانتم حرار من مواكر حوارا

وحنا ترانا من صواريم سنجار

وان كانكم شرهين وابكم نمارا

حنا بناظر ضدنا الشر مسمار

علوا يمين وكل يام يسارا

وان كنت كره اشرب قراطيع الامرار».

هذه القصيدة التي أرسلها مبارك لغريمه عبدالعزيز آل رشيد التي ما زال أبناء البادية إلى يومنا هذا يقدرون ويتعجبون من قدرته، وتمكن ابن الحاضرة النوخذة حمود الناصر البدر الذي عاش فترة في الهند أن يأتي بمفردات نبطية غاية في البداوة ويصيغ منها قصيدة غاية في الإبداع، فلو تمعن في وصف الشاعر:

«مثل نعام ذير ثم استداره وجه على فجن يبي فيه معمار».

وقد شاهدنا ما تفعله النعامة حين تذعر وتخاف فتندفع مسرعة فيرتطم رأسها وجسمها في أي شيء أمامها.

* * *

لقد جسدت معركة الصريف تلاحم أهل الكويت، فالشهداء من حضرها وأبناء باديتها وشعيتها وسنتها.

* * *

رجال من الزمن الجميل

محمد يوسف العدساني

يجسد الأخلاق والقيم الجميلة والنزاهة والوطنية الحقة والاخلاص في العمل والشجاعة والقدرة على اتخاذ القرار، كما يتميز بالروح الجميلة وحب المعرفة والعلم.

تقلّد مناصب عدة، فكان رئيس المجلس البلدي عام 1962، ونجح نائباً في مجلس 1967، إلا أنه استقال بسبب واقعة تزوير الانتخابات، وبعدها سفيرا في الرياض وبعدها سفيراً في الصومال وبعدها سفيراً في بيروت، تعرض لثلاث محاولات اغتيال إبان الحرب الأهلية اللبنانية. وفي عام 1976 أصبح وزيراً للتخطيط، وفي عام 1981 أصبح رئيساً لمجلس الأمة. وكان صمام أمان، وتصدى لتنقيح الدستور حين أيده ووافق عليه 37 نائباً ووزيراً، فعلق التصويت. وقابل الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد وأقنعه بعدم تنقيح الدستور.

ندعو الله تعالى أن يعجل بشفاء العم محمد يوسف العدساني، اللهم آمين.

* * *

الجمعة المقبلة نكمل كيف دارت المعركة وما أسباب الهزيمة وما فعل المنتصر بالأسرى الكويتيين.

• المصدر من كتاب «معركة الصريف» للمؤلف فيصل بن عبدالعزيز السمحان، وكتاب «ملاحم كويتية» للمؤلف عبدالله محمد الهاجري.. والكتابان مرخَّصان من وزارة الإعلام الكويتية.

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك