الفهم الخاطئ للديموقراطية وراء انتشار ثقافة الإقصاء.. برأي فاطمة الشايجي

زاوية الكتاب

كتب 846 مشاهدات 0


الأنباء

يسألون عن  /  التعددية

د. فاطمة الشايجي

 

كثيرا ما نسمع عبارة يرددها كثيرون وهي «لا لإقصاء الآخر».. إن هذه العبارة تدل في رأينا على أننا نمارس ثقافة إقصاء الآخر بكثرة وبطريقة مزرية، فقد وصل بنا الحال إلى التعرض للآخر بأساليب منافية للأخلاق ومعادية للإنسانية. لقد انتشرت ثقافة الإقصاء في مجتمعاتنا نتيجة للفهم الخاطئ للديموقراطية، ذلك الفهم الذي اتخذ من الحرية غاية للديموقراطية. لقد ذكرت سابقا أن الديموقراطية تعني التعددية التي أوجدتها الطبيعة وعززتها الحرية. والتعددية تعني الاختلاف وهي لا تعني أقليات أو أغلبية فقط، إننا نرفض فكرة أن المجتمع مقسم بين أقليات وأغلبية لسبب هو أنه ليس كل أفراد المجتمع ينتمون إلى تيارات أو أحزاب أو تكتلات أو جماعات لها نشاط سياسي. ولا يعني اهتمام الإعلام بهذا التقسيم عندما يوجه عدساته وأقلامه على هذه الجماعات السياسية أنه يعبر عن واقع الشعوب الحقيقي، وإنما يهدف من وراء ذلك إلى نقل صورة إلى العالم هي أن هذه الجماعات هي كل الشعب، وهو يفعل ذلك من أجل أغراض خاصة. عندما نقول تعددية نعني أن هناك اختلافا بين الأفراد في المجتمع الواحد في المبادئ والأفكار والمعتقدات والديانات والمذاهب والعادات والتقاليد، وهو اختلاف يصعب أن يمتزج أو يتحد أو يقبل بمبدأ واحد لتقييم المجتمع أو إصلاحه أو حكمه. لذلك نجد أن التعددية كفكرة تقوم على أساس منع تمركز الحكم أو القرار في فئة معينة أو فرد لأنها تحاول أن تحقق المشاركة للجميع وتوزيع المنافع على الجميع. ورغم أن الاختلاف موجود والتعددية تفرض نفسها في جميع المجتمعات إلا أنها إذا كانت دون توجيه أو سلطة فإنها ستؤدي إلى صراع خاصة إذا لم نمارس الديموقراطية ممارسة صحيحة. ولكن كيف يمكن ممارسة الديموقراطية في ظل الإيمان بالتعددية وبذلك يمكن تحقيق التنمية كغاية للديموقراطية؟ الفكرة تتمثل في أن يعترف الجميع بالجميع: كيف ذلك؟ إن مفهوم الحرية وممارستها بشكل صحيح، كما ذكرنا، يجعلنا نحترم الآخر الذي يفتح مجالا للحوار، ويسهل عملية الاتفاق، والاتفاق يحتاج إلى تنظيم المطالب وتحديد الأولويات بما يتفق مع حاجة أفراد المجتمع وإمكانياته. وليس بما يتفق مع حاجة فئة معينة تفوق إمكانيات المجتمع. التعددية تحتاج إلى وجود قانون يطبق على الجميع. ومن يجد أن القانون لا يتناسب معه عليه أن يلجأ إلى ما يسمى بالطعن أو الرفض وفق قنوات يحددها القانون نفسه ووفق أطر الأخلاق العامة التي يحددها المجتمع نفسه. إن التعددية تنجح وتنقل المجتمع من مجتمع دكتاتوري إلى مجتمع ديموقراطي عندما يؤمن الأفراد بأن الاختلاف طبيعي، وأن الاتفاق يسهل عملية التنظيم، وعندما يؤمن الأفراد بأن الخاص يجب أن يتحول إلى عام وليس العكس. وأن الأولويات لا تحددها الرغبة بل توافق الحاجات وإمكانيات المجتمع. والتعددية لا تنتهي بالإيمان بما ذكرناه فقط بل بالتطبيق وأول تطبيق لها هو وعينا لمفهوم الأحزاب لكي نتمكن بعد ذلك من المطالبة بقانون الأحزاب لتعزيز وجودها في المجتمع. وهذا ما سنعرض له في المقال القادم. 

الأنباء

تعليقات

اكتب تعليقك