التربية الأسرية أمر مضن.. هذا ما يراه وليد الرجيب

زاوية الكتاب

كتب 468 مشاهدات 0


الراي

أصبوحة  /  المثال في التربية والتنشئة

وليد الرجيب

 

عبر سنوات زارتني في عيادتي أسر كثيرة، تعاني من سلوك أطفالها وتمرد المراهقين منهم، وألاحظ أنهم بالفعل تعساء وفي حالة استياء من أن أبناءهم يختلفون عنهم في الطباع، ويرفضون الخضوع لتعاليمهم سواء حول السلوك أو الدراسة أو التدين وممارسة العبادات.

وغالباً ما تقع الأسر أو الوالدان في حيرة على شكل التساؤل التالي: «جميعهم ربيناهم بالطريقة نفسها، فلماذا خرج هذا عن الإطار التربوي لأسرتنا؟!»، وبالطبع لا يوجد أبوان لا يحبان أبناءهما، فالجميع يملك النية الإيجابية في تربية الأبناء حسبما يراه صالحاً أو صحيحاً، لكن هل كان الأسلوب صحيحاً؟ فمثلاً كان الآباء قديماً يضربون أبناءهم من الذكور ضرباً مبرحاً كي ينشأوا رجالاً، فنيّة الأب هنا سليمة لكن الأسلوب خاطئ، فالضرب ليس هو الأسلوب أو الوسيلة المثلى للتربية، فقد يخاف الابن من الأب لفترة لكنه يتمرد عليه عندما يكبر، حتى في شكل انتقام مثل تعمد إهمال الدراسة أو مرافقة رفقاء السوء، أو العناد والتمرد غير الناضجين.

كما أن من عادة الأبناء رفض الوعظ الملحّ والإرشاد، مثل «ادرس، ادرس، ادرس» أو «صل، صل، صل»، فهذا الوعظ قد يقابل في الصغر في الخضوع الظاهري، لكنه في سن المراهقة والكبر قد يقابل بالرفض والعناد، وفعل عكس الوعظ والتوجيه.

وأتذكر أنني في شبابي حاولت أن أطّلع على معظم الكتب التربوية، كي أكون مثالياً في تربية أبنائي، لكني اكتشفت أني تعلمت التربية منهم، بل كنت أتمنى أن ينشأوا محبين للقراءة أو يصبحوا مثلي، لكني فهمت أن الأبناء مثل بصمات البشر كل واحدة تختلف تماماً عن الأخرى، فما ينطبق على أحد الأبناء لا ينطبق على الآخر فلا يوجد قالب واحد لتربية جميع الأبناء في الأسرة الواحدة، فهناك من ينفع معه الحزم وهناك من تؤلمه كلمات اللوم وهناك من ينفع معه المنطق والتشجيع وهكذا، ثم اقتنعت أنه ليس شرطاً أن يشبه الأبناء آباءهم وأمهاتهم، مثل أفراد المجتمع ذاته كل فرد يختلف عن الآخر، وعلينا تقبل هذا الاختلاف والتعامل معه بواقعية، والواقع يحمل سلبيات وإيجابيات.

التربية الأسرية أمر مضن، وهو فن يتعلمه الوالدان أثناء ممارستهما للحياة والاستفادة من خبرة الآخرين، فعندما يأتيني أولياء أمور يشتكون أن ابنهم كان متفوقاً في الدراسة وخلوقاً، ثم تغير فجأة وأصبح متعثراً دراسياً وسيئ الخلق، أضع اللوم أولاً على الوالدين، اللذين ظلا يريان ويعاملان ابنهما على أنه مازال صغيراً، رغم أن كل عمر يحتاج إلى معاملة معينة، ويندهشان عندما أقول لهما: أن كل ما تحتاجانه هو حبه واحتضانه واحترامه والثقة به، خصوصا في سن المراهقة الذي يتأرجح بين الطفولة والرجولة.

فلن يدرس الأبناء بمجرد وعظهما المتكرر بالدراسة ولن يصلي الأبناء لمجرد الإلحاح عليهم بالصلاة ولا ينفع التهديد والعنف، لكن الأبناء بكل تأكيد يأخذون المثال من الأبوين، فالمثال في التربية والتنشئة هما مفتاح السر، فإن كان الوالدان مواطنين صالحين تمثل الأبناء بهما وإذا كانا فاسدين فسيتمثل الأبناء بهما، ولا يمكن لأب فاسد أن يربي أبناءه على الصلاح، سواء بالعنف أو بمجرد الوعظ أو التهديد.

فلنعط أبناءنا وبناتنا مثالاً يحتذون به، إضافة إلى ضرورة إسباغ الاحترام عليهم وحبهم ومنح الثقة لهم، فهذا كل ما نحتاج إليه لتربية نرضى عنها وتجعلنا نفخر بهم، ولنعرف أن الكبت والحرمان أو التربية العنيفة أو الوعظ الفارغ أو تقليد آبائنا في التربية قد تقود لعكس ما نتمنى.

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك