نظرة في حال الثقافة…؟! بقلم عبدالكريم دوخي
زاوية الكتابكتب سبتمبر 10, 2014, 7:29 م 1035 مشاهدات 0
انتكاس المفاهيم بات يسري في عقولنا كسريان النار بالهشيم…وأصبحنا نرى الأمور على غير حقيقتها -ونحن نعلم- ولكننا نسكت ونحاول دائما أن نخدع أنفسنا ونساير الأنماط العامة المنكوسة ونرهب من انتقادها حتى لا يُقال عنا جهلة ولا نعي ما يدور حولنا.
من المفاهيم التي لم تقف عند حدٍّ معيّن من الانتكاسة مفهوم الثقافة..
فالبعض بات يفهم الثقافة على غير حقيقتها ويرى بأن الثقافة هي التعقيد في العبارة والغموض في المعاني والتوغل في الطلاسم…وكلما ازداد الإنسان غموضا ازداد ثقافة!
وكما أن الباطنية هي بوابة الزنادقة والملحدين للدخول في الإسلام وهدمه من الداخل أصبحت الحداثة بوابة (ادعياء الثقافة) وهدمها من الداخل…!
فكثير من الجهلة وجد في غموض الحداثة وطلاسم الحداثيين وتنازع أدعيائها حول حقيقتها مدخلاً سهلاً للثقافة…فكل ما عليك هو التشدق في الكلام وتركيب جمل متنافرة مع بعضها وإحالة كل مستفسر عن معانيك على (بطن الشاعر) وستصبح أكثر ثقافة و حداثة من أدونيس!.
وازدياد هؤلاء في تويتر سببه أن تويتر ميدان فسيح للنقاش ودخوله بلا وعي وثقافة سيجعلك تكتفي بالجلوس على المدرجات للمشاهدة فقط…ولكن هناك مجموعة تستعجل (السيادة الفكرية) ولا تريد الاكتفاء بالجلوس على المدرجات فلا تجد أسهل من الغموض طريقاً لمزاحمة المثقفين حتى ولو بغير وجه حق…حتى أصبح حالهم كما قال العقاد:
(إن الواحد من هؤلاء عندما يحاول يتفلسف فإنه يلخبط الدنيا كلها ويعقدها ألف عقدة…ثم يحاول أن يحلّها واحدة واحدة…فإذا عجز-وهذا طبيعي- اتهم الدنيا كلها بالغموض…ومادام العالم كله غامضاً…فليس غريباً أن يكون هو كذلك)…؟!!
المصدر:
في صالون العقاد كانت لنا أيام لأنيس منصور ص49.
فلم يعد يشك عاقل بأننا نعيش فوضى ثقافية زحفت على مفهومنا للمثقف وزحفت على مفاهيم كثيرة غيرها،وأصبحت الساحة الثقافية تضم عددا لا بأس به من الحواة والمهرجين ينشرون ترهاتهم باسم الحداثة…وأصبحت الحداثة في الفترة الأخيرة مظلة يتظلل بها المتسكعون والفارغون علميا ممن لا يملكون مؤهلات ثقافية تساعدهم على مزاحمة المثقفين الحقيقيين.
ولو كان خطر هؤلاء مقصوراً عليهم لهان الأمر…ولكنني رأيت بعضهم يعزو عدم فهم الناس لترهاته لقصور في أفهامهم لا إلى ضحالة وغموض ووعورة ما يكتبه…وأصبح يكثر الشكوى من تفشّي الجهل في الناس ليسبك دعواه العريضة بمكانته الثقافية وليوهم الآخرين بأنه أحاط بما لم يحيطوا به…والعجيب أن أساليبه في الدجل انطوت على بعض الناس وأصبحوا يشكون بقدراتهم العقلية لأنهم لا يستطيعون فهم هذه التراكيب اللفظية الغريبة والمتنافرة والتي تقدم لهم كنص شعري أحيانا أو كرواية في أحيان أخرى…ولو تأمل هذا المخدوع بأدعياء الثقافة لتبيّن بأن عدم فهمه لكلامهم الغريب دليل على سلامة عقله واحترامه لذاته…فقمّة الجنون أن تصفق للهراء وتضفي عليه ثوب الابداع مخافة أن تُتّهم بالجهل من بعض الحواة والمهرجين…وقمة احتقار الذات أن تظهر للناس خلاف ما تبطن!.
فعلى هذا وأمثاله أن يفخروا بعدم فهمهم لهذا الهراء فالجهل بهذه الترهات هو العلم!.
تعليقات