الكثير من السياسيين أضاعوا البوصلة وحس الاتجاه، وقراراتهم مبنية على انفعالات .. هكذا يعتقد وليد الرجيب

زاوية الكتاب

كتب 631 مشاهدات 0

وليد الرجيب

الراي

أصبوحة - حس الاتجاه

وليد الرجيب 

 

أتذكر أنني أضعت الطريق مرة واحدة في حياتي، وذلك عندما كنت في الثامنة أو التاسعة من عمري، وكان من عادتي أن أسير ساهياً دون انتباه، أو أسير وأنا أنظر لخطواتي ولا أنظر لما حولي أو أمامي، ولما وجدت نفسي ضائعاً جلست أبكي، وأسندت كتب الدراسة على ركبتي، خوفاً من أن أفقدها هي الأخرى، وانتبهت إلى رجل يقف قربي، رفعت وجهي بعينين دامعتين، فسألني: هل أضعت الطريق؟ فهززت رأسي، ثم سألني عن اسمي واسم أبي، فأجبته وسألني سؤالاً عرفت لاحقاً مغزاه وهو: ماذا يوجد قرب بيتكم؟ فأجبته المسجد الفلاني، فأخذني إلى المكان حتى تبينت بيتنا.

لم أخبر أبي عن ضياعي في الطريق، لكني قررت من يومها الانتباه إلى ما حولي من معالم وإشارات، ومن يومها لم أضع يوماً في حياتي، حتى عندما أسافر إلى بلد غريب، وقررت دخول الأشبال ثم الكشافة لأتعلم كيفية الاستدلال على الطريق، ثم اشتريت بوصلة وتعلمت منها حس الاتجاه، وعزز من ذلك حفظي للخرائط، فما زلت أستطيع رسم خريطة العالم عن ظهر قلب، فمنذ تلك الحادثة وأنا في سن الثامنة طورت لدي بوصلة داخلية، وأسميت أعمدتي الصحافية في الثمانينات والتسعينات باسم «البوصلة»، لأذكر نفسي بأن تأخذ مواقفي المكتوبة الاتجاه الصحيح.

بينما نجد اليوم الكثير من السياسيين والكتاب أضاعوا البوصلة وحس الاتجاه، فنجد أن مواقفهم وقراراتهم مبنية على انفعالات وردود أفعال، قد يندمون عليها لاحقاً أو يستمرئون في غيهم مكابرة، أو لغاية في نفوسهم.

ولذا يجب أن نتعلم حس الاتجاه، وهذا بالتأكيد سينعكس على المواقف السياسية والأيديولوجية، كما من الضروري تطوير مهارة قراءة الأشياء البعيدة والمتوقعة ومنها حالة الأجواء السياسية والأحداث المترتبة عليها، وهذا يعلمنا أن نفكر ونحلل ولا ننفعل أو تكون لدينا ردود أفعال فورية، فحركة الواقع جدلية ولا يوجد واقع ثابت.

فمهما كانت الظروف، لا يجب إضاعة البوصلة، سواء عن قلة وعي أو بقصد وتعمد، من أجل تحقيق ذواتنا لمكاسب آنية، بينما العاقل يفكر بالمكسب التاريخي، والصدق مع الذات حتى مع الخسارات الآنية.

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك