محمد العوضي ينقل رأي الشيخ الغزالي في التبرك بقبور بعض الصالحين، والطلب من اصحابها ما لا يطلب الا من الله عز وجل

زاوية الكتاب

كتب 2433 مشاهدات 0


 

خواطر قلم 

 اختبار التربية الإسلامية... والتعري حول الكعبة!!
 
 محمد العوضي 
 
هل كان سؤال اختبار مادة التربية الإسلامية حول دعاء الأموات والاستغاثة بهم لتحقيق الامنيات ورفع الكربات خطأ يؤجج الفتنة ويصوب الاتهام إلى طائفة أو فرقة أو جماعة أو جمعية أو... ضع ما تشاء من التسميات؟! كلا، بل في نظري ان هذا السؤال يوقظ الجيل الصاعد المنفتح على دنيا العلم الذي يبهر العقول ويأسر النفوس ويحصنه من الافتتان بالتطورات التقنية الهائلة، وذلك عندما يقارن الشباب بين ما وصل اليه الغرب في تحقيق غاياته وانتصاراته المادية بأشكالها المختلفة وبين مورثاته المتخلفة التي تقول له ان اللجوء إلى اضرحة الأولياء ومراقد الانبياء من أقوى الوسائل لبلوغ الأماني!! واستكمالاً للمقال السابق «وزارة التربية وضريح الإمام الحسين» ننقل رأي الشيخ محمد الغزالي الذي عرف عنه الصراحة في قول الحق امام الجميع حكاماً وسياسيين وصوفية وسلفيين ملاحدة وعلمانيين بل وحتى الإخوان المسلمين الذين كان منهم من ناله النقد وكان يجاهر برأيه في الجامعات السعودية وفي محافل طهران الدينية والأزهر والمؤتمرات الإسلامية في كل مكان في كتابه الذي صدر عام 1999م «ليس من الإسلام» وتحت عنوان «الوسطاء» قال الغزالي: «ومما وقع فيه العوام: الاتجاه إلى قبور بعض الصالحين، يطلبون من اصحابها ما لا يطلب الا من الله عز وجل».
لعل سر هذا الشرود، ان الناس يرون من أنفسهم ضَعَةً، تقصر بهم عن مناجاة الله مباشرة. فهم يذهبون بحاجاتهم الى قوم ازكى حالاً ليرفعوا عنهم ما لا يمكنهم رفعه بأفئدتهم وألسنتهم. وهذه العلة هي سر الانصراف عن الله الحق إلى عبيده الذين يسمعون، والذين لا يسمعون، بل الذين يعقلون والذين لا يعقلون، وكم من علة ظاهرها زيادة توقير الله، بانتهاك حرمات الله، ألا ترى ان المشركين كانوا يطوفون بالكعبة عرايا، نساء ورجالاً، محتجين بأنه لا ينبغي ان يطوفوا في ثياب عصو الله فيها؟ فالتحرج من الاتصال بالله، دون وساطة، كان جُرقة الوثنية القديمة التي صور القرآن الكريم اعتذارها عن شركها بقوله: «... ما نعبدُهُم الا ليقربونا إلى الله زلفى».
وهذا الاعتذار نفسه، هو ما يردده سدنة الجاهلية الحديثة، في دفاعهم عن قصّاد القبور طلباً للشفاء والفلاح، والتماساً للنجدة والعون، وبدهي ان لا مكان في الإسلام لوسطاء بين الله وخلقه، فإن كل مسلم مكلف بين يدي الله مهما كانت حالته وهو موقن بأن دعاءه ينتهي إلى سمع الرحمن من غير تدخل بشر آخر، أياً كان شأنه.
والعبادة الأولى في الإسلام - وهي الصلاة المقسمة على اجزاء النهار والليل - قوامها هذه الحقيقة المؤكدة التي لا ريب فيها. فكيف يوجب الله على عباده ان يترددوا على ساحته ويسألوه - حتماً - الهداية إلى الصراط المستقيم، ويسجدوا بين يديه ضارعين طالبين: وكيف يعبر التخلف عن هذه الصلوات لغرابة أو اهدار لحقه، ثم يسوغ لأحد من الناس ان يقول: أنا محتاج لوسيط يحمل عني إلى الله ما أريد؟ ان هذا لا تفسير له الا الرغبة في الشرك الخفي أو الجلي. ونسأل طالب الوساطة: من تختار ليكلم لك الله؟ فلو انه اختار من الأحياء رجلاً يتوسم فيه الصلاح ليدعو الله له لهان الخطب. بيد ان العجيب قصده الأموات الذين انقطعت بالدنيا صلاتهم وأفضوا إلى ما قدموا من عمل. ولا شعور لهم بهذا القاصد الجهول الذي جاء... لِمَ؟ ليطلب منها أو يستشفع بهم...؟
ان التفكير الإسلامي سقط في هذه الوهدة الشائنة من أمد بعيد فدارت حول الولاية والأولياء خرافات شتى. وجاء على الناس أيام ظنوا فيها ان مقاليد الكون أصبحت بأيدي نفر من هؤلاء الهلكى، يصرفونها - بدلالهم على الله - كيف يشاؤون! وزاد الطين بلة، أن أولئك الأولياء المقصودين تجاوزت قدرتهم قوانين الأسباب والمسببات المعروفة، فاضطربت - تبعاً لذلك - نظرة المسلمين إلى سنن الله الكونية، وحسبوها تلين لكل من واظب على شيء من العبادة!!
وانتهى، أمر هذه الأمة المنكوءة إلى ان فقدت مكانتها العالمية في دنيا تعتمد على المعرفة الحقة بأسرار الطبيعة وقوانين الحياة. بعد ان فقدت ايضاً منزلتها عند الله مذ اشركت معه من لا يملك لنفسه أو لغيره ضراً ولا نفعاً.
لماذا يكون من الدين الاعتراف بحق «أناس ما» من التوسط بين الله وخلقه؟
ولماذا يكون من الدين الاعتراف بقدرة هؤلاء على اختراق نواميس الطبيعة وصنع الخوارق الباهرة؟
ولماذا يعد من شعب الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر ان نقر بحقوق هذه الولايات وطاقتها الواسعة في تصريف الشؤون وبعث الشجون؟
الحق ان هذا كله تخليط سمج، وان اللجاجة فيه نزعة جاهلية.
ولن تعدم داعياً في الإسلام يخاصم عن هذه الأوهام، ويحاول تعكير التوحيد الخالص - وهو روح الإسلام ومادته - بلغط، لا عقل فيه ولا اخلاص، زاعماً ان اتخاذ الوسطاء لاينافي تعاليم الدين.
ولا غرابة! فإن النصارى يرون التثليث توحيداً.
أقول: ان النوايا الطيبة وحدها لا تشفع لخطأ ابن آدم، سواء طاف الإنسان عارياً بالكعبة كما صنع الجاهليون أو استغاث بالأموات للخلاص من الكربات كما يفعل بعض المسلمين ولكلام الغزالي بقية.


محمد العوضي

الراى

تعليقات

اكتب تعليقك