ابتهال عبدالعزيز تحذر من خلط الدين بالسياسة

زاوية الكتاب

كتب 592 مشاهدات 0


الدين نظام روحاني خاص جدا، علاقة شفافة بين المخلوق والخالق. والدين يعتمد بالدرجة الأولى على نية الإنسان ومدى إخلاصه وإيمانه الداخلي لذا، تبدو لي كل لجان الرقابة الأخلاقية، بجانب مخالفاتها الدستورية الجسيمة في محاصرة الحريات الشخصية، وبما يحتويه العرض وراءها من اهانات كبيرة 'للمراقبين' باعتبارهم غير مؤهلين لاختيار مسارهم الأخلاقي في الحياة، فهي تبدو كذلك لجانا ساذجة جدا. فاللجنة قد تستطيع مراقبة ملبس الناس أو مأكلهم أو تصرفاتهم لفترة محدودة وفي أماكن معينة، وبعدها يستطيع هؤلاء الناس العودة للتصرف بما يؤمنون به أو يرغبونه، من تحت أنف ألف لجنة، فالرغبة في الحرية هي من أقوى الرغبات الإنسانية على الإطلاق. كما أن هذه اللجان تستطيع مراقبة 'الخارجي' من التصرفات ولكنها أبدا لن تصل لأكثر من هذه السطحية في الرقابة. يعني ممكن أن يقف حراس الفضيلة على رؤوسنا لرؤيتنا نصلي ونحن نقلد حركات الصلاة دون أن نصلي فعلا، ويمكن أن يراقبوا صيامنا، فنسب ونلعن 'بالسر' فيبطل صيامنا. ما أريد أن أقوله إن الأديان عموما هي أنظمة روحانية شفافة تتعامل مع النية 'إنما الأعمال بالنيات' قبل أي شيء آخر، ومبنية على الإخلاص النفسي للخالق ومعظم عباداتها تتمثل في حالات نفسية يؤديها المخلوق بنيته ويستقبلها الخالق بحكمه فقط لا غير. وعندما يحاول أحدهم التحكم في أداء الغير الروحاني، فإنه يجبر هذا الآخر على التمثيل، ولن يكون نتيجة هذا القمع الفكري والأخلاقي إلا ابتعادا أكثر عن الدين، وجعله عملية ميكانيكية لا أكثر. وعندما تؤخذ هذه الممارسات الروحانية وتخلط بالسياسة، فالناتج قنبلة نفسية مكونة من النفس البشرية المتحفزة والمتطلعة والتواقة وعوامل الترغيب والترهيب التي تزرع في لبها. كل إنسان يعيش بقلب مؤمن هو إنسان سعيد، أيا كان إيمانه، وكل إنسان يعيش بقلب مؤمن ولكن مستثار بعوامل الترغيب (حور العين) والترهيب (أبدية جهنم) فهو قنبلة موقوتة تفضل الانفجار الفوري لتستريح من الخوف والشوق للرفاهية الأبدية. السياسة والدين خلطة شديدة الاشتعال وسريعة الانفجار، ومن يمارسها يعلل لنفسه أي فعل، لأنه يبرر لنفسه خطأ صغيرا للوصول لغاية دينية عليا توصله لرضا الإله. فعندما اختلط الدين بالسياسة، غرقت شوارع العراق بالدم، وحوصر لبنان من الشمال والجنوب وجثث أبنائه تتساقط فوق أرزته، والسودان والصومال واليمن والجزائر ويمكن كل بلد عربي إسلامي في معاناة مشابهة مستمرة بسبب الخلطة القاتلة ذاتها. وحتى عندنا، حيث أخد التطرف والطائفية خطوات قليلة، نرى كيف مزق هذا المزج الساحة السياسية، نواب سلف ونواب اخوان ونواب شيعة وتفريعاتهم الصغيرة التي حولت المجلس وعلى إثر ذلك الشارع إلى ساحات مناظرة دينية سياسية. وها نحن نرى كيف تبرر التنظيمات الدينية لعباتها السياسية، ولنا في الحركة الدستورية خير مثال: نحمي الوزير، نستجوب الوزير، معاه، ضده، وعد، حنث، مع حقوق المرأة، ضد حقوق المرأة، والألاعيب السياسية لا تنتهي. والسؤال هنا، من المتضرر، السياسة؟ أبدا، فالسياسة من يومها لعبة خبيثة ومعقدة، وأما المتضرر فهي مصداقية الفكر الديني أمام الناس، مصداقية ضحى بها السياسيون وهم يعتقدون انهم يعلون من شأنها. من منا لم يسمع صوتا داخل نفسه يقول: معقولة الدين يقول جذي؟ من منا لم يسأل هذا السؤال فعلا؟ لأصحاب لجنة الفضيلة وغيرها، لو تحطون شرطيا أخلاقيا لكل مواطن، راح نظل أحرارا ولو داخل أنفسنا، وهذا أضعف الإيمان. ابتهال عبدالعزيز أحمد
الان-خاص

تعليقات

اكتب تعليقك