عبر البحر الأحمر

الاقتصاد الآن

جسر العروبة بين السعودية ومصر ذو جدوى اقتصادية عالية برأي محمد الأزعر

4103 مشاهدات 0


على الرغم من اتفاق الهدنة الموقع في 24/2/1949، الذي أنهى جولة الحرب الأولى بين مصر وإسرائيل، فقد أغارت قوة إسرائيلية بقيادة إسحق رابين على قرية أم الرشراش المصرية واحتلتها في 10/3/1949. وفي عام 1952 دشنت إسرائيل ميناء كبيرا على أنقاض القرية، بعد أن هودت اسمها ليصير 'إيلات'.
كانت تلك العملية الاستيطانية تساوي الكثير لدى منظري المشروع الصهيوني.. فأم الرشراش تقع بين محلتي العقبة الأردنية وطابا المصرية، وبالسيطرة عليها يتحقق لإسرائيل الوليدة وقتها هدفان ثمينان: أولهما معلن ظاهر، هو إيجاد موطئ قدم ومنفذ بحري على البحر الأحمر، يصلها بالدول الآسيوية والإفريقية المشاطئة للمحيط الهندي. وثانيهما مضمر شديد العمق والخطورة، قوامه الفصل الكامل جغرافيا بين مشرق العالم العربي ومغربه.
لقد أصابت تلك الفعلة الإسرائيلية لوجستية الأرض العربية المنبسطة، من بحر العرب والخليج شرقا إلى ساحل الأطلسى غربا، بضربة استراتيجية مؤلمة.. إذ كان احتلال هذه القرية إيذانا بقطع هذا التواصل، الأمر الذي لم يسبق أن جرى على مدار التاريخ، ولا أفلح غزو خارجي في إحداثه من قبل. ولذا شكلت محاولة استعادة القرية لمصريتها وعروبتها، وبالتداعي إعادة الوصل بين جناحي الأمة العربية، أحد مواجد السياسة المصرية وهمومها ومطالبها، بين يدي التفاوض السري والعلني مع إسرائيل، ولا سيما قبل توقيع معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية عام 1979.
وإلى لحظتنا هذه، ثمة من يطالب في مصر، شعبيا من خلال جمعية مختصة ورسميا بإلحاح أقل وفي مناسبات متفاوتة، بمتابعة هذه القضية واعتبار هذه القرية أرضا محتلة يتعين استردادها، وفي عام 1985 طالب الرئيس السابق حسني مبارك الإسرائيليين بالتفاوض على هذا الأساس.
على أن بعض العرب الواعين لضرورة وصل ما انقطع في وطنهم الكبير بفعل الغزوة الصهيونية، لم ينتظروا إلى أن يلقي التاريخ كلمته الأخيرة حول مصير أم الرشراش.. وكان الملك السعودي الراحل فهد بن عبد العزيز في طليعة هؤلاء الغيورين، حين طرح الأخذ بالبديل الممكن، وهو بناء جسر علوي بطول 23 كيلومترا، يبدأ من رأس نصراني بالقرب من شرم الشيخ، مرورا بجزيرة تيران في خليج العقبة، لينتهي عند رأس حميد على الشاطئ السعودي شرقا.
وأثناء زيارة الملك لمصر عام 1988، تم الاتفاق مبدئيا على تنفيذ هذه الخطوة الكبيرة، بالنظر إلى 'التيقن من جدواها القومية، سياسيا واقتصاديا وبيئيا، وإمكانية تطبيقها معماريا..'. وفي ذلك الحين، نالت الفكرة استحسان جمعية الطرق العربية، التي اعتبرت الجسر من أهم المشروعات الإنشائية العربية، بسبب دلالاته الوحدوية وتخطيه للقطيعة بين أجزاء الوطن العربي.. وقدرت أنه سوف يساعد على تيسير حركة التجارة والأفراد، وخاصة في مواسم الحج والعمرة.
وفي السياق ذاته، أكدت ستة من المكاتب الاستشارية العالمية المختصة، أن هذا المشروع ينطوي على جدوى اقتصادية، وأنه سيغطي تكلفته في غضون عشرة أعوام لا أكثر.. الأمر الذي شجع سبع مجموعات استثمارية دولية على التقدم بعروض لإنشائه في فترة قياسية.
وبقدر ما كانت هذه المعطيات واعدة ومبشرة، كان موقف الرئيس المصري السابق حسني مبارك محبطا، حين عارض لاحقا الفكرة برمتها، بذريعة أن الجسر سيؤثر سلبا على السياحة في شرم الشيخ! وسواء استند ذلك التبرير إلى قناعة حقيقية، أم كان غطاء لما قيل عن رفض إسرائيلي أميركي غاضب تجاه هذا المشروع الوحدوي المتميز، فقد كانت النتيجة أن أصيب المشروع والمناظرات الخاصة به بالسكتة السياسية، لأكثر من عشرين عاما. فطبقا لما باح به فؤاد عبد العزيز رئيس جمعية الطرق العربية، فإن الرئيس مبارك 'كان قد أغلق كل الأبواب أمام تلك المناظرات طوال هذه الفترة..'. غير أن الآمال بإحياء المشروع، راحت مؤخرا تنبعث بفعل اهتمام رئيس الوزراء المصري عصام شرف، الذي وعد بالعمل على تفعيله جديا بعد مزيد من التحري والبحث.
إذا صدق هذا الوعد، فسوف يكون تدشين هذا الجسر واحدا من أعظم المكتسبات والأصداء العروبية لثورة 25 يناير المصرية، بالتعاون مع القيادة السعودية. ولعله من المثير واللافت، أن يتواكب هذا المسعى ويتزامن مع صحوة مصرية إزاء قضية استرداد أم الرشراش.. ففي سياق الحملة الانتخابية الجارية راهنا لمجلس الشعب المصري، صرح أحد أقطاب حزب الحرية والعدالة، الجناح السياسي لجماعة الإخوان، بأن الحزب يزمع فتح ملف هذه القضية بالوسائل القانونية أمام البرلمان المقبل.
مثل هذه المستجدات توحي بأن ملف الوصل الجيوستراتيجي بين جناحي الوطن العربي، الذي أغلق لعقود، قد أصبح ضمن شواغل المرحلة. وأغلب الظن أنه لن يسلم من كيد المتربصين والمرجفين، لإيداعه قمقم الهجران تارة أخرى. والمؤمل أن يتم دفن هذا الكيد إلى الأبد، تحت حجر أساس الجسر في لحظة نرجوها قريبة.

صحيفة البيان الاماراتية

تعليقات

اكتب تعليقك