أسواق الطاقة في ظل الأوضاع الاقتصادية والسياسية العالمية الراهنة بقلم د. نعمت أبو الصوف
الاقتصاد الآنيناير 19, 2012, 12:35 ص 669 مشاهدات 0
شهد عام 2011 تذبذبا كبيرا في أسعار النفط وجابهت أسواق النفط تحديات مختلفة، العام الحالي قد لا يختلف كثيرا في هذا الجانب، حيث إن أسواق النفط العالمية تجابه بالفعل تحديات وعدم يقين في عدد من الجوانب. علامة الاستفهام الكبرى هي بسبب المخاوف من الوضع الاقتصادي العالمي. وهل بإمكان دول الاتحاد الأوروبي القدرة على التعامل مع الأزمة المالية الحالية ومن ثم استئناف الطريق نحو النمو مرة أخرى، أو على العكس من ذلك، التباطؤ في النشاط قد يمتد إلى مناطق أخرى من العالم؟ في خضم سنة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، هل سيكون بمقدور الحكومة (البيت الأبيض) إيجاد أرضية مشتركة للتفاهم مع الكونجرس المنقسم أصلا من أجل دعم النمو؟
من الناحية السياسية، التحدي الرئيس يأتي من الخليج: التحدي هنا يكمن في استمرار الشد والجذب بين إيران والغرب، وكيف سوف تكون النتيجة؟ كيف سوف تتفاعل المنطقة لاحتمال تبدل النظام السوري؟ وهل سيتمكن العراق من تجنب الوقوع في حرب أهلية والمضي قدما في رفع طاقاته الإنتاجية؟
أسعار النفط، التي لها أيضا تأثير كبير في أسعار مصادر الطاقة الأخرى، يمكن أن تنخفض إذا كان هناك تباطؤ في الاقتصاد العالمي، أو على العكس من ذلك قد ترتفع فيما إذا نشأ الصراع وتفاقم الوضع في منطقة الخليج. أي حصار محتمل لمضيق هرمز، ناجم عن إيران أو عن طريق الحرب، لن يؤدي فقط إلى إرسال أسعار النفط إلى مستويات قياسية ولكن سوف يرفع أسعار الغاز أيضا، وذلك بسبب توقف صادرات الغاز الطبيعي المسال من قطر والإمارات العربية المتحدة، أي نحو 80 مليون طن سنويا (35 في المائة من إجمالي صادرات الغاز الطبيعي المسال)، وبالتالي أسعار الطاقة الكهربائية سوف ترتفع أيضا، إضافة إلى هذه العوامل، أساسيات أسواق الطاقة لها تأثير أيضا في أسعار الطاقة. في أوروبا، الفقاعة في إمدادات الغاز من المرجح أن تنفجر وتبدأ بالانكماش بوتيرة تعتمد إلى حد كبير على النشاط الاقتصادي. في أمريكا الشمالية والجنوبية الوضع على العكس من ذلك، حيث إن إمدادات الغاز في تصاعد. على المدى المتوسط وحتى البعيد سوف يكون من مصلحة المستهلكين في أوروبا وآسيا بقاء أسعار الغاز الفورية في الولايات المتحدة متدنية مقارنة بآسيا وأوروبا. من ناحية أخرى، ارتفاع تكاليف مشاريع النفط وخصوصا المشاريع الهامشية الأكثر تكلفة marginal cost projects، مثل الرمال النفطية الكندية، الصخر الزيتي، النفط الثقيل جدا، في المياه العميقة في خليج المكسيك والبرازيل في المكامن النفطية تحت طبقات الملح، والتي تراوح بين 60 دولارا و80 دولارا للبرميل الواحد، هو أحد العوامل التي من شأنها المحافظة على أسعار مرتفعة للنفط؛ حيث إن هبوط الأسعار دونها سوف يخل بالتوازن بين العرض والطلب لصالح الطلب وتعود الأسعار للارتفاع من جديد.
على الجانب الآخر، معظم الدول المنتجة للنفط وخصوصا الأعضاء في منظمة أوبك التي تعتمد على النفط كمصدر رئيس للدخل تحتاج في الوقت الحاضر إلى أسعار لنفطها يراوح ما بين 80 و100 دولار للبرميل للإيفاء بمتطلبات موازناتها المالية السنوية، بعد أن رفعت الإنفاق على النفقات الاجتماعية والمسائل الأمنية من أجل مواجهة الآثار المحتملة لما يعرف ''الربيع العربي''. هذه الموازنات الضخمة تعتمد على حجم صادراتها من النفط والغاز والأسعار. إذا ما انخفض الطلب على النفط والغاز، فإن الميزانيات يجب أن تكون متوازنة من خلال الحفاظ على ارتفاع الأسعار أو عن طريق دفعها إلى مستويات أعلى.
بصورة عامة لقد ارتفعت أسعار الطاقة بشكل حاد في عام 2011. على سبيل المثال في أسواق الطاقة الفورية في أوروبا، سعر وحدة الكهرباء أنهت العام على ارتفاع بنسبة 40 في المائة، إلى حد ما مشابها الارتفاع الذي شهده سعر خام برنت، لكن سعر الغاز الطبيعي سجل رقما قياسيا، حيث ارتفع بنسبة 75 في المائة. لقد بلغ متوسط سعر خام برنت 111.4 دولار للبرميل في عام 2011، مقارنة بـ 79.6 دولار للبرميل في عام 2010. لكن في ظل المناخ الاقتصادي الحالي الذي يشهد تباطأ في النمو وخصوصا في دول منظمة التعاون والتنمية، سوف يكون من الصعب الحفاظ على الأسعار عند هذه المستويات.
التوقعات الحالية لأسعار الطاقة لعام 2012 تراوح بين الانخفاض في حالة الركود الحاد في أوروبا، والارتفاع الطفيف، إذا استمر النشاط الاقتصادي وإذا استمر نمو الطلب في آسيا. السيناريو الأخير هو الأكثر احتمالا في الوقت الحاضر؛ حيث تشير وكالة الطاقة الدولية في أحدث توقعاتها إلى أن الطلب العالمي على النفط سوف يرتفع من 89 مليون برميل في اليوم في عام 2011 إلى 90.3 مليون برميل في اليوم في عام 2012، أي بزيادة قدرها 1.3 مليون برميل في اليوم. هذا النمو في الطلب على النفط هو أكثر مما كان عليه في عام 2011، عندما ارتفع الطلب بنسبة لا تتجاوز 0.7 مليون برميل في اليوم مقارنة بعام 2010. لكن وكالة الطاقة الدولية قامت بشكل متكرر بخفض توقعاتها للطلب على النفط لعام 2012 منذ نشرت لأول مرة، حيث إن توقعاتها لعام 2012 التي نشرت لأول مرة في تموز (يوليو) 2011 كانت تشير إلى أن الطلب على النفط سوف يرتفع إلى 91 مليون برميل في اليوم. لسوء الحظ، التطورات الاقتصادية الأخيرة توحي بأن المزيد من المراجعات لخفض الطلب على النفط لهذا العام من المرجح أن تحدث .
تعليقات