فسادنا سببه العقلية الدموية التي تسيطر علينا جميعاً.. بنظر الدعيج

زاوية الكتاب

كتب 593 مشاهدات 0


القبس

أنا كويتي.. أنا

عبد اللطيف الدعيج

 

سياسة «التكويت»، ان جاز تسميتها بسياسة، ما كان لها ان تتم في بلد ديموقراطي يحترم إنسانية العامل، ويقدر جهد الناس بلا عودة الى اصولهم او نوعهم او حتى موقفهم من السلطة كما يعتري الحكومة هذه الأيام. فكرة «التكويت» ليس لها مكان في بلد يتساوى ناسه في الحقوق والواجبات، ويحظى عطاؤهم مثل ما يحظى نصيبهم بذات العدالة التي تعم الجميع. أي انه بلد يطبق عن حق وحقيق المادة 29 من دستورنا، التي تنص على ان «الناس سواسية في الكرامة الانسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس او الاصل او اللغة او الدين».

الناس كلهم سواسية وليس الكويتيين او المواطنين فقط.

وحدهم الذين يُقيّمون ويزنون الناس بناء على نوع ولون واصل عروقهم من يتقبل فكرة ان يحل انسان مكان آخر، لأنه يمتلك شرفا او امانة افتراضية لا يملكهما الثاني. سياسة «التكويت» لم تكن تُقبل او حتى يسمح بها في مجتمع حريص على تطبيق مبادئ العدالة والمساواة بين الناس، ولو لم يكن هناك تمييز مسبق في الجهاز الوظيفي ـ حيث يعين ويدفع للكويتي بناء على جنسيته وليس وفقا لكفاءته ـ لما تم تقديمه وتفضيله على الغير. مثل هذه السياسة ما كان لها ان تتسيد لو كان هناك احترام للعمل وتقدير للجهد، لكن الاحترام هنا للأصل والفصل.. للدم قبل العَرَق (فتحتين وراء بعض)، لشهادة المنشأ قبل شهادة الخبرة.

ان هذه الذهنية الدموية او العصبية هي التي افسحت المجال واسعا، بل في أحيان كثيرة فرضته على السلطة وبقية أدوات النظام من اجل تلبية احتياجاتها وفرض اساليبها وسلوكها في العيش. ان حالة الفساد التي نعيش ليس مسؤولا عنها، كما يحلو للبعض الادعاء، هذا الشخص او ذاك، او حتى هذه المجموعة او الفئة وحدهما. بل هي مسؤولية العقلية الدموية التي تسيطر علينا جميعا ـ بغض النظر عن تثقفنا او تعلمنا او تحضرنا، فاغلبنا بل ربما كلنا ما زال يحمل بين ثناياه وفي خلجاته الكافي من وعي وموروث يبقيه اسيرا وخاضعا لها.

ان سياسة التكويت لم تظلم الموظف الوافد فقط. بل هي في الواقع افرزت تأثيرا سلبيا على المواطن الكويتي أكثر من أي طرف آخر. إذ أصبح هذا المواطن تابعا وعبدا لأصله وفصله، بدلا من ان يكون نتاج تنشئته وثمرة جهد وكفاح ذاتي. فهو ليس فردا يتمتع بمزايا وخبرات تجعل منه مختلفا سلبا او إيجابا عن الاخرين.. بل هو كويتي وبس.

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك