المعارضة على حق وهناك بطانة فاسدة.. فحوى مقالة الشيخ مشعل الصباح

زاوية الكتاب

كتب 3286 مشاهدات 0


البطانة الفاسدة والذهاب إلى المجهول

كتب الشيخ مشعل مالك محمد الصباح
 
إذا بحثنا عن كلمة بطانة في معاجمنا العربية سوف تخبرنا عن المعنى الحقيقي لهذه الكلمة التي زاد استخدامها في يومنا هذا والتي ترددت كثيرا على ألسنة الدعاة الذين يدعون لولاة الأمور في جميع المنابر «اللهم ارزق ولاة أمورنا البطانة الصالحة» فنجد أنها في لسان العرب أن الباطنة عكس وخلاف الظاهرة وبطانة الرجل هي خاصته، وابطنه أي اتخذه بطانه إذا جعله من خواصه.
وبعيدا عن معنى الكلمة نريد أن نعلم ما هي الشروط الحقيقية التي يجب أن تتوفر في الذين نطلق عليهم كلمة بطانة وهم خاصة الملك أو الأمير أو الرئيس أو أي مسؤول ولعل أعظم مرجع يمكن أن نرجع إليه ونعتمد عليه هو كتاب الله وبعده السنة النبوية المشرفة حتى يظهر لنا جليا الخطوط العريضة لاختيار البطانة.
قال تعالى: «يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم» إذن لا يجوز أبدا ان يتخذ الحكام أو ولاة الأمر أو المسؤولون بطانة من «الكفار وأهل الاهواء وذي المصالح الخاصة والفاسدين» ولأن البطانة تكون بمثابة القرين للحاكم فيجب أن يختارها بدقة ويجب أن يتوخى الحذر في اتخاذ اي إنسان بطانة يقول الشاعر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه      فكل قرين بالمقارن يقتدي
فلا ينبغي أن يتخذ الحاكم أو ولي الأمر أو المسؤول دخلاء السوء والفساد قرناء له ولا يجوز اختيار البطانة بشكل عشوائي الا بعد ان يتحرى صلاحهم وسيرهم على الطريق الصحيح وذلك لأن أي حاكم أو ولي أمر أو مسؤول له بطانة بل له بطانتان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة الا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تأمر بالشر وتحضه عليه فالمعصوم من عصم الله تعالى».
ويجب أن تكون هذه البطانة غير منافقة لأنه في كثير من الأحيان تنقل البطانة للحاكم شيء اخر غير الذي تراه على أرض الواقع، فعن ابن عمر رضي الله عنهما: «ان ناسا قالوا له إنا ندخل على سلاطيننا فنقول لهم بخلاف ما نتكلم اذا خرجنان من عندهم؟ قال ابن عمر رضي الله عنهما: كنا نعد هذا نفاقا على رسول الله صلى عليه وسلم رواه البخاري، فيجب أن تكون البطانة صادقة ولا تنافق الحاكم حتى تنقل له الصورة الصحيحة والواقع كما هو بالفعل.
ويجب أن تتسم بالصلاح واعانة الحاكم على الحق والخير فكل ما سبق تنبيه لمن ولي امرا من أمور المسلمين ان يختار الوزير الصالح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ولي منكم عملا فاراد الله به خيرا جعل له وزيرا صالحا ان نسي ذكره وان ذكر اعانه» والبطانة هي كل من يدخل على الحاكم خلوته وقد فسرها ابن حجر بالدخلاء، جمع دخيل وهو الذي يدخل على الرئيس في مكان خلوته، يفضي اليه بسره، ويصدقه فيما يخبره به مما يخفي عليه من امر رعيته، ويعمل بمقتضاه أي ليس الوزراء فقط.
ويجب أن تتبع هذه البطانة الحق وتكون راشدة ومؤتمنة فإذا استشارهم الحاكم اعطوه الرأي الصحيح الذي فيه مصلحة الجميع وهذا ما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد جاءت فاطمة بنت قيس إلى الرسول تستشيره في أمر خاص بها حينما قالت: فخطبني خطاب منهم معاوية وأبو الجهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما معاوية ترب خفيف الحال، وأبو الجهم يضرب النساء، أو فيه شدة على النساء، ولكن عليك بأسامة بن زيد أو قال: انكحي اسامة بن زيد، ولا يعتبر ذلك غيبة لهم لأن ذلك بهدف النصح والارشاد وما فيه من المصلحة أكبر بكثير من الضرر الناتج عن السكوت عنه فالمشورة أمانة قال صلى الله عليه وسلم المستشار مؤتمن، وفي حديث اخر من استشاره اخوه المسلم فأشار عليه بغير رشد فقد خانه ان الحاكم الذي لا يتحرى الدقة في اختيار بطانته حتى تكون بطانة صالحة عليه الذنب الأكبر والأثم الاكبر من جراء ما تفعله به البطانة الفاسدة ولقد رأينا بأم اعيننا ما فعلته البطانة الفاسدة على أرض الواقع على الحكام والحكومات انظر الى الأنظمة على مدى التاريخ وماذا فعلت بهم البطانة الفاسدة ومجموعة من الوجوه التي لا تتغير فعلا لقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال «من ولي منكم عملا فأراد الله به خيرا جعل له وزيرا صالحا».
ان ما نجنيه من وراء البطانة الصالحة كل خير والاستقرار وتحقيق التنمية والسداد في الرأي والمشورة الصادقة التي تفيد الوطن أما ما نجنيه من وراء البطانة الفاسدة هو الخراب بعينه الخراب الذي يصل لدرجة اهمال شؤون البلاد والاطاحة بحاكمها.
إن للبطانة الفاسدة علامات وسلوكيات اذا انتشرت في المجتمع فهذا معناه على وجود هذه البطانة الفاسدة وتمكنها من الحاكم أو أولي الأمر أو المسؤولين وأول هذه العلامات أن يعيش الشعب في واد وتكون الحكومة في واد آخر فلم يعد هم الحكومة العمل على تحقيق مصالح الناس بل همها الرئيسي العمل لمصالحها الشخصية فلا تهتم باستطلاع الآراء ومشاركة المواطن ومشاكله وحلها والعمل على تذليل العقبات التي تواجهه ولكنه تضع الكثير من العقبات وتريد من المواطن أن يعمل جاهدا لتخطي هذه العقبات.
عندما تتأخر التنمية في البلاد فهذا معناه أيضا ان هناك بطانة فاسدة تعمل على اهدار المال العام وتعمل على تقديم الآراء الكاذبة التي تؤدي الى توقف التنمية ما يؤدي إلى خراب البلاد تدريجيا ولا مبالاة من الحكومة.
عندما تكثر المعارضة وتزداد الانتقادات الموجهة الى الحكومة ولا تأخذ هذا بعين الاعتبار ولا تقوم بتصيفة هذه الاتهامات وتفنيدها واثبات عكسها للمواطنين فهذا معناه ان المعارضة على حق وان الانتقادات في محلها وان هناك بطانة فاسدة لاتقدم المشورة السليمة ولا الرأي السديد الذي يجعل المواطن يشعر بالثقة.
عندما نعاني من نفس المشاكل التي طالما عانينا منها السنين الماضية فهذا معناه ان هناك بطانة فاسدة لا تهتم بحل المشاكل التي يعاني منها المواطن او انها بطانة لاتستطيع ان تقدم المشورة السديدة للقضاء على هذه المشاكل فمن الاولى الاستغناء عنها.
عندما يحذر التعليم عام بعد عام وتكون هناك وزارة شكلية للصحة لاتستطيع ان تقدم خدمات حقيقية للمواطن وعندما يختفي دور الإعلام الوطني الحكومي وعجزه عن التواصل مع المواطنين وعندما تكون الدولة مصنفة من حيث الاستهلاك على العالم ويوجد بها وزارة للصناعة والتجارة وعندما تزداد الانتقادات والاتهامات لكل مؤسسات الدولة فهذا معناه ان هناك بطانة فاسدة نعم لايستطيع ان يصدق عاقل بعد كل هذه السلوكيات والوقائع التي نراها بأم أعيننا بأنه لايوجد هناك بطانة فاسدة فالواقع اننا فعلا بصدد بطانة فاسدة.
والمواطن العادي الذي يقوم بإنجازه أي معاملة من أي مؤسسة من مؤسسات الدولة يظهر له جليا من السلوكيات العامة في المؤسسات أنه بصدد بطانة فاسدة لاتستطيع أن تقدم الرأي السديد ولا المشورة الموفقة التي تنتقد الدولة من تبعات الفساد والتدهور والذهاب الى المجهول

 

عالم اليوم

تعليقات

اكتب تعليقك