مراسيم الضرورة بين التقييد الدستوري والرقابة السياسية والقضائية

زاوية الكتاب

د. المطيري: ليس من المقبول منطقا وقانونا أن تراقب المحكمة الدستورية مرسوم حل البرلمان وتمنع عن مراسيم الضرورة

كتب 6773 مشاهدات 0


خص د. تركي سطام المطيري ـ أستاذ القانون الدستوري والإداري بمقال حول الرقابة السياسية والقضائية لمراسيم الضرورة، نصه فيما يلي:
 
صدر المرسوم بالقانون في شأن تعديل قانون الانتخابات فيما يتعلق بتعديل عدد أصوات الناخب من أربعة أصوات إلى صوت واحد فقط ، ولاقى هذا المرسوم انتقادات سياسية وقانونية كبيرة بالنظر إلى مخالفته نصوص الدستور لاسيما المادة (71) منه، بالنظر إلى عدم توافر القيود الدستورية التي اشترطتها المادة المشار إليها، فضلا عن عدم جواز تعديل قانون الانتخاب بهذه الأداة القانونية لطبيعته الخاصة وصعوبة الرقابة على المرسوم في هذه الحال.
     وقد لفت نظري استناد بعض المدافعين عن هذا المرسوم إلى حكم لجنة فحص الطعون في الطعن رقم 2/1982 الصادر بتاريخ 28/6/1982 للقول بأن مسألة الضرورة خاضعة لتقدير الأمير وحده وأن مسألة توافر الضرورة هي مسالة سياسية وليست قانونية وبالتالي تخرج عن نطاق الرقابة القضائية.
     ورغم تقديري لحق المخالفين في تبني ما يشاءون من آراء، وحقهم في الاستناد إلى ما يشاءون من حجج، إلا أن حقي في التعبير عن رأيي ، وواجبي الوطني والأكاديمي، وأهمية المرحلة السياسية والتاريخية التي نعيشها، يحتم علي الجهر بما أراه حقا وتبيان هذا الرأي وحججه وأسانيده، وذلك من أضعف الإيمان، دون أن أزعم بامتلاك الحقيقة المطلقة، لكن رأيي يبقى صوابا يحتمل الخطأ، ورأي المخالفين خطأ يحتمل الصواب.
     وبالعودة لحكم لجنة فحص الطعون المشار إليه، تخلص وقائع هذا الحكم في أن أحد المتهمين دفع أمام محكمة الجنايات بعدم دستورية الأمر الأميري رقم 62/1976 الخاص بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء، إلا أن المحكمة قررت عدم جدية هذا الدفع، مما حدا بالمتهم بالطعن في هذا الحكم أمام لجنة فحص الطعون التي قضت برفض الطعن.
     وقد أشارت المحكمة في حيثيات حكمها إلى أن 'المرسوم الأميري الصادر في 29/8/1976 بتنقيح الدستور قد أورد في مادته الثالثة ما يفيد أن الأصل في صدور القوانين أن تصدر بمراسيم أميرية، إلا أنه عند الضرورة يجوز إصدارها بأوامر أميرية، ولا مشاحة أن تقدير حالة الضرورة هنا مرده للأمير وحده، يقدرها حسب الظروف والملابسات القائمة في كل حالة على حدة، ذلك إنه وإن كان متطلبا بالنسبة للتشريعات التي تصدر أثناء قيام الحياة النيابية وفق أحكام المادة (71) من الدستور أن تعرض هذه التشريعات على مجلس الأمة ليمارس سلطته في الرقابة عليها باستظهار مدى توافر مدى توافر الشرائط المطلوبة فيها ومنها حالة الضرورة الملجئة لإصدارها، إلا أن التشريعات التي تصدر في غياب الحياة النيابية هي في الواقع قوانين قائمة بذاتها ونافذة من تاريخ صدورها، إذ هي قد صدرت بطريقة خاصة من سلطة فعلية عليا ممثلة بأمير البلاد انعقدت لها السلطة التشريعية دون أن يتأسس ذلك على المادة (71) من الدستور والتي لا تسري أو يتأتى إعمالها إلا عند قيام الحياة النيابية، ومن البداهة أن لا تكون القواعد التي تسنها السلطة في الأحوال الاستثنائية على  غرار القواعد المسنونة في الظروف العادية، كما لا  يمكن تطبيقها بالصورة والأسلوب الذي يجري بها وضع القواعد القانونية في الأوقات العادية، أما حالة الضرورة الموجهة للتشريع الاستثنائي فهي شرط سياسي لا قانوني وهي بذلك تدخل في نطاق العمل السياسي الذي ينفرد رئيس الدولة بتقديره، وإذا كانت الرقابة على العمل السياسي متروكة أصلا للسلطة التشريعية دون القضائية في الأحوال العادية، ولا تدخل فيها الحالة المطروحة، إلا أن القانون المطعون فيه وقد عرض على مجلس الأمة فأقره فإنما يكون قد أقر أيضا حالة الضرورة المبررة لإصداره'.
     ورغم مخالفتنا لاجتهاد المحكمة في العديد من ثنايا الموضوع محل الحكم، وهو ما نوافق فيه الكثير من أساتذة وفقهاء القانون الدستوري الذين تعرضوا لدراسة هذا الحكم، إلا أن ما يعنينا في هذا الصدد هو دفع استناد المدافعين عن المرسوم بالقانون في شأن تعديل قانون الانتخابات على هذا الحكم للوصول إلى تقرير أن مسألة تقدير الضرورة هي مسألة سياسية متروكة للأمير وحده، حيث أن هذا القول لا يحتمله الحكم من جهة ومرود عليه من جهة أخرى، وذلك للأسباب التالية:
أولا: إن الحكم المشار إليه هو حكم صادر من لجنة فحص الطعون وليس من المحكمة الدستورية، ولذلك لا يجوز نسبة ما ورد فيه إلى المحكمة الدستورية، كما لا يقيد هذا الحكم من سلطة المحكمة الدستورية في ممارسة رقابتها الدستورية.
ثانيا: إن اختصاص لجنة فحص الطعون قاصر على الفصل في الطعن في أحكام المحاكم العادية بالنسبة لجدية الدفع بعدم الدستورية المقدم أمامها، دون أن يطال البحث في مسألة الدستورية نفسها والتي تختص بها المحكمة الدستورية وحدها.
ثالثا: إن الحكم يتناول أمرا أميريا صدر في ظل تعطيل للدستور والحياة النيابية، ولا شأن له بإصدار المراسيم بالقوانين وفقا للمادة (71) من الدستور في ظل الأوضاع الدستورية الطبيعية، وهو ما أشار إليه الحكم صراحة، ولذلك فإن إسقاط هذا الحكم على المرسوم بالقانون الخاص بتعديل قانون الانتخاب يأتي في غير محله، والقياس في هذا الصدد هو قياس مع الفارق.
رابعا: إن الحكم يشير صراحة إلى أن سلطة الأمير في تقدير حالة الضرورة ليست مطلقة بل مقيدة بالشرائط المنصوص عليها في المادة (71) من الدستور.
خامسا: إن الحكم يشير صراحة إلى إن سلطة الأمير في تقدير حالة الضرورة ليس سلطة منفردة، بل يشاركه مجلس الأمة في تقدير توافر هذه الضرورة عند بسط رقابته على هذا المرسوم وفقا للمادة (71) من الدستور.
     أما ما أشار إليه الحكم من اعتبار توافر حالة الضرورة شرطا سياسيا لا يخضع لرقابة السلطة القضائية، فإننا لا نتفق مع المحكمة فيه ونعتقد أن هذا الشرط هو شرط قانوني للأسباب التالية:
أولا: أن المادة (71) من الدستور تطلبت حالة الضرورة باعتبارها شرطا لإصدار مراسيم الضرورة، بل إن المادة المشار إليها اشترطت عدم مخالفة مراسيم الضرورة لنصوص الدستور، والمحكمة الدستورية هي صاحبة الاختصاص الطبيعي والأصيل في رقابة الدستورية.
ثانيا: إن مرسوم الضرورة حتى بعد إقراره من مجلس الأمة تملك المحكمة الدستورية رقابة دستوريته باعتباره قانونا، ومن غير المقبول منطقا وقانونا تمكين المحكمة الدستورية من رقابة دستورية المرسوم بالقانون بعد أن يقره البرلمان ويصبح قانونا ومنعها من ممارسة ذات الدور بالنسبة للمرسوم قبل إقراره من مجلس الأمة، لاسيما وأن مرسوم الضرورة أقل قوة قانونية من القانون في المرحلة السابقة على إقراره من البرلمان.
ثالثا: إن مراسيم الضرورة تعد تشريعا استثنائيا يمارس في أضيق نطاق، ومما يتناسب مع هذا الوضع إخضاعه لرقابة المحكمة الدستورية.
رابعا: إن هذا الشرط أو القيد يخضع برأينا لرقابة المحكمة الدستورية، استنادا إلى السياسة القضائية التي تبنتها المحكمة الدستورية في السنوات الأخيرة والتي توجتها مؤخرا بحكمها الذي مدت فيه رقابتها على عمل من صميم أعمال السيادة وهو مرسوم حل مجلس الأمة، فليس من المقبول منطقا وقانونا أن تراقب المحكمة الدستورية عملا سياسيا صارخا مثل مرسوم حل البرلمان وتمنع عن ممارسة ذات الدور بالنسبة لمراسيم الضرورة.
خامسا: إن الرقابة على توافر حالة الضرورة بالنسبة لإصدار مراسيم الضرورة هو ما قام به بعض القضاء الدستوري المقارن ولاسيما المحكمة الدستورية العليا في مصر التي كان لها باعا طويلا في هذا المضمار.
سادسا: إننا نعتقد أن أعمال السلطات جميعها ـ بما فيها مراسيم الضرورة ـ تخضع لرقابة الرأي العام تطبيقا لحرية الرأي والتعبير المكفول دستوريا وفق المادة (36) من الدستور للأمة مصدر السلطات جميعا كما تقضي بذلك المادة السادسة من الدستور.
ختاما، رغم بعض الحزن الذي يفرض نفسه بسبب مخالفة الدستور في وقت نحتفل فيه بالذكرى الخمسين لصدوره، إلا أننا لن نتخلى عن تفاؤلنا بمستقبل مشرق لأبناء هذا الوطن، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

 

 

بقلم: د. تركي سطام المطيري

تعليقات

اكتب تعليقك