عن مرض المثالية الأخلاقية!.. يكتب خالد الجنفاوي

زاوية الكتاب

كتب 1765 مشاهدات 0


السياسة

حوارات  /  مرض المثالية الأخلاقية

د. خالد عايد الجنفاوي

 

يشير مرض المثالية الأخلاقية إلى حالة نفسية معقدة, تتمثل في شعور أحد الأفراد أنه كامل الأوصاف ونموذجي الأخلاق, وأنه قدوة للآخرين, وأكثر صلاحاً واتزانا وعقلانية من عامة الناس, وتصبح المثالية الأخلاقية مرضاً نفسياً عندما تتحول من سعي إلى تحقيقها فقط, إلى تخيل الوصول إليها. بمعنى آخر, يسعى كل فرد سوي إلى تحقيق المثالية الأخلاقية والصلاح والاستقامة, ولكن الإنسان العاقل يدرك صعوبة تحقيق الكمال في الحياة الدنيا, ولهذا تجد الأسوياء يسعون إلى الحفاظ على استقامتهم الأخلاقية وسط المغريات السلبية والتحديات المختلفة, ويدركون أن نجاحهم ربما يكون نسبياً. لكن يختلف الوضع بالنسبة لمن أصيب بمرض المثالية الأخلاقية, فيعتقد هؤلاء أنهم أصلح من الآخرين, وأقربهم إلى الكمال الأخلاقي, وربما سيسعون إلى فرض وصايتهم الأخلاقية على باقي بني البشر, وذلك لاعتقادهم أنهم كاملوا الأوصاف والعياذ بالله. وبالطبع, توجد علامات معينة تدل على إصابة أحدهم بمرض المثالية الأخلاقية, ومنها على سبيل المثال: محاولة فرض الآراء على الآخرين وتصوير الشخص نفسه على أنه أكثر فطنة وذكاء منهم, وربما ترديده لنصائح أخلاقية وثقافية كان الأحرى بالمثالي المعقد تطبيقها على نفسه, فهو بشكل أو بآخر, كالنجار الذي يعيش في كوخ بلا باب, فتصور الوصول إلى المثالية الأخلاقية هو المحطة الأولي التي يتجاوزها البعض قبل فرض وصايتهم الأخلاقية على من هم حولهم.
يتحاشى الإنسان العقلاني, وخصوصا المثقف الحقيقي, تأنيب الآخرين حول ما يعتقد أنها سلوكيات سلبية ما لم يبدأ بإصلاح نفسه أولاً. فلا يصح منطقياً ولا أدبياً أن يتجشم أحدهم تلقين الآخرين حول ما يظن أنها أخلاق فاضلة وسلوكيات إيجابية, إذا كان هو يمارس ما هو سيء وإقصائي وطائفي وقبلي وفئوي إقصائي, فالناس تعي مباشرة تناقض كلام أو كتابة أحدهم مع ما يمارسه في حياته اليومية أو في مقر عمله.
في عالم القرن الواحد والعشرين, كل الناس مسؤولون عن أنفسهم وتصرفاتهم, فلا يحق لفرد عادي ان يزعم أنه أفضل منهم, فالإنسان المثالي أخلاقياً هو من سيترك الناس بشأنهم, ولا يتدخل في حياتهم الخاصة ولا يحاول فرض وصايته الأخلاقية عليهم. حري بمن يظن أنه وصل مرحلة الكمال الأخلاقي إصلاح نفسه أولاً, وبعدئذ ربما سيجوز له أو لها التحدث مع الآخرين حول ضرورة إصلاح النفس. فلعل وعسى.

السياسة

تعليقات

اكتب تعليقك